وعلام يدل ترجحها بَين هذَيْن الطَّرفَيْنِ فَلَعَلَّ فِي ذَلِك سرا يظْهر بالامتحان. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: قد صَحَّ وَثَبت من المباحث الفلسفية أَن النَّفس أَعلَى من الزَّمَان وَأَن أفعالها غير مُتَعَلقَة بِشَيْء من الزَّمَان وَلَا محتاجة إِلَيْهِ إِذْ الزَّمَان تَابع للحركة وَالْحَرَكَة خَاصَّة بالطبيعة وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فالأشياء كلهَا حَاضِرَة فِي النَّفس سَوَاء الْمَاضِي والمستقبل مِنْهَا فَهِيَ ترَاهَا بِعَين وَاحِدَة وَالنَّوْم إِنَّمَا هُوَ تَعْطِيل النَّفس بعض آلاتها إجماماً لَهَا - أَعنِي بالآلات الْحَواس - وَهِي إِذا عطلت هَذِه الْحَواس بقيت لَهَا أَفعَال أخر ذاتية خَاصَّة بهَا من الْحَرَكَة الَّتِي تسمى رُؤْيَة وجولاناً نفسانياً. وَهَذِه الْحَرَكَة الَّتِي لَهَا فِي ذَاتهَا تكون لَهَا بِحَسب حَالين: إِمَّا إلهياً وَهُوَ نظرها فِي أفقها الْأَعْلَى وكما أَنَّهَا إِذا كَانَت مستيقظة ترى بحاسة الْعين الشَّيْء مرّة رُؤْيَة جلية وَمرَّة رُؤْيَة خُفْيَة بِحَسب الْقُوَّة الباصرة من الحدة والكلال وبحسب الشَّيْء المنظور إِلَيْهِ فِي اعْتِدَال الْمسَافَة وبحسب الْأَشْيَاء الحائلة بَينهَا وَبَينه من الرقة والكثافة. وَهَذِه أَحْوَال لَا يَسْتَوِي فِيهَا النّظر بل رُبمَا نظر النَّاظر بِحَسب وَاحِدَة من هَذِه الْعَوَارِض إِلَى حَيَوَان فَظَنهُ جماداً وَرُبمَا ظَنّه سبعا وَهُوَ إِنْسَان وَبِمَا ظَنّه زيدا وَهُوَ عَمْرو فَإِذا زَالَت تِلْكَ الْمَوَانِع وَارْتَفَعت الْعَوَائِق أبصرهَا بصراً تَاما - كَذَلِك حَالهَا إِذْ كَانَت نَائِمَة أَي غير مستعملة آلَة الْحس إِنَّمَا ترى من الشَّيْء مَا يحصل من الرَّسْم الأول - أَعنِي الْجِنْس العالي الشَّامِل للأشياء الَّتِي