وَإِن كَانَت مَوْجُودَة لَهُم كَذَلِك لَا يمْنَع ذمّ أمراض النَّفس وَإِن كَانَت غالبة عَلَيْهِم على أَن الْإِنْسَان فِي أَكثر الْأَمر يذم هَذَا الْعَارِض للنَّفس من الْبُخْل وَلَا يعْتَرف أَنه مَوْجُود فِيهِ إِلَّا إِذا كَانَ منصفاً من نَفسه عَارِفًا بِمَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا فقد سَمِعت جمَاعَة من الأصدقاء يذمون أنفسهم بِأُمُور ويشكون أَنهم فِي جهد من مداواتها وحرص على إِزَالَتهَا وان الْعَادة السَّيئَة قد أفسدت وَأما سَبَب مدحهم الْجُود فَلِأَن الْجُود فِي نَفسه أَمر حسن مَحْبُوب وَقد مر حَده فِيمَا مضى وَهُوَ فِي النَّفس كالصحة فِي الْبدن فَالنَّاس يؤثرونه ويمدحونه وجد لَهُم أم لم يُوجد. وَأما قَوْلك: هَل الْجُود وَالْبخل طبيعيان أم مكسوبان فَإِن الْأَخْلَاق بأجمعها لَيست طبيعية وَلَو كَانَت كَذَلِك لما عالجناها وَلَا أمرنَا بإصلاحها وَلَا طمعنا فِي نقلهَا وإزالتها إِذا كَانَت قبيحة ولكانت بِمَنْزِلَة الْحَرَارَة والإضاءة فِي النَّار وبمنزلة الثّقل والارجحنان فِي الأَرْض فَإِن أحدا لَا يروم معالجة هَذِه الطبائع وَلَا إِزَالَتهَا ونقلها وَلَكنَّا نقُول: إِنَّهَا - وَإِن لم تكن طبيعية - فَإِنَّهَا بِسوء الْعَادة أَو بحسنها تصير قريبَة من الطبيعة فِي صعوبة العلاج وَإِزَالَة الصُّورَة من النَّفس. ولسنا نسميها خلقا إِلَّا بعد أَن تصير هَيْئَة للنَّفس يصدر أبدا عَنْهَا فعل وَاحِد بِلَا روية فَأَما قبل ذَلِك فَلَا تسمى خلقا وَلَا يُقَال: فَلَا بخيل وَلَا جواد إِلَّا إِذا كَانَ ذَلِك دأبه. فَأَما الطِّفْل والناشىء فقد يكون مستعداً بمزاج خَاص لَهُ نَحْو قبُول خلق