وَقد تقدم جَمِيع ذَلِك مستقصى حَيْثُ تكلمنا عَن السِّرّ فِيمَا مضى.
(مَسْأَلَة إرادية لم سمج مدح الْإِنْسَان لنَفسِهِ وَحسن مدح غَيره لَهُ وَمَا الَّذِي يحب الممدوح من المادح وَمَا سَبَب ذَلِك؟)
الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: الْمَدْح تَزْكِيَة للنَّفس وَشَهَادَة لَهَا بالفضائل وَلما كَانَ الْإِنْسَان يحب نَفسه رأى محاسنها وخفى عَلَيْهِ مقابحها بل رأى لَهَا من الْحسن مَا لَيْسَ فِيهَا فقبح مِنْهُ الشَّهَادَة بِمَا لَا يقبل مِنْهُ وَلَا يرى لَهُ. فَأَما غَيره فلأجل غربته مِنْهُ وخلوه من آفَة الْعِشْق صَارَت شَهَادَته مَقْبُولَة ومدحه مسموعاً. وَرُبمَا كَانَ هَذَا الْغَيْر يجْرِي فِي محبَّة الممدوح مجْرى الْوَالِد وَالْأَخ وَالصديق الَّذِي مَحَله مِنْهُ قريب من مَحل نَفسه فعرضت لَهُ تِلْكَ الآفة بِعَينهَا أَو قريب مِنْهَا فقبح ثَنَاؤُهُ ومدحه وَلم يقبل مِنْهُ وَإِن كَانَ دون قبح الأول أَعنِي مادح نَفسه لِأَن أحدا لَا يبلغ فِي محبته غَيره دَرَجَة محبته نَفسه. فَأَما مَا يجده الممدوح من المادح فَهُوَ حلاوة الْإِنْصَاف وتأدية الْحق وَسَمَاع الْكَلَام الطّيب أَي المحبوب الْمُوَافق للإرادة.