القَوْل وَقَطعُوا بِهِ الحكم وَقَالُوا: لَا ينكتم سر وَإِنَّمَا يتَقَدَّم ظُهُوره أَو يتَأَخَّر. وَتقول الْعَامَّة: أَي شَيْء ينكتم ثمَّ تَقول فِي الْجَواب: مَا لَا يكون. فحقيق على صَاحب السِّرّ أَن يستودعه إِلَّا الْقَادِر على نَفسه والقاهر لنزواتها عِنْد حركاتها وشهواتها بل الْمُجَاهِد لَهَا الْمُعْتَاد عِنْد الْجِهَاد غلبها وقهرها. وَإِنَّمَا يتم للْإنْسَان ذَلِك بِخَاصَّة قُوَّة الْعقل الَّذِي هُوَ أفضل موهبة الله تَعَالَى وأكبر نعْمَة لَهُ على العَبْد وَبِه فضل الْإِنْسَان على سَائِر الْحَيَوَان. وَلَوْلَا هَذَا الْجَوْهَر الْكَرِيم الَّذِي هُوَ مسيطر على النَّفس ومشرف عَلَيْهَا لَكَانَ الْإِنْسَان كَسَائِر الْحَيَوَانَات غير الناطقة فِي ظُهُور قوى النَّفس مِنْهُ مُرْسلَة من غير رَقَبَة ومهملة بِغَيْر رعية وَلكنه بِهَذَا الْجَوْهَر النفيس فِي جِهَاد للنَّفس عَظِيم. وَمعنى قولي هَذَا أَن الْإِنْسَان دَائِما فِي جِهَاد النَّفس بِقُوَّة عقله لِأَنَّهُ مُحْتَاج إِلَى ردعها بِهِ وَإِلَى ضَبطهَا ومنعها من شهواتها الردية حَتَّى لَا يُصِيب مِنْهَا إِلَّا بِمِقْدَار مَا يُطلقهُ الْعقل ويحده لَهَا وَمَا يرسمه ويبيحه إِيَّاهَا. وَمن لم يقم بِهَذَا الْجِهَاد مُدَّة عمره فَلَيْسَ مِمَّن لَهُ حَظّ فِي الإنسانية بل هُوَ خليع كالبهيمة الْمُهْملَة وَإِذا انحط الْإِنْسَان عَن رتبته الْعَالِيَة إِلَى رُتْبَة مَا هُوَ أدنى مِنْهُ فقد خسر نَفسه ورضى لَهَا بأخسر الْمنَازل هَذَا مَعَ كفره نعْمَة الله ورده الموهبة الَّتِي لَا أجل مِنْهَا وكراهيته جوَار بارئه ونفوره من قربه. وَقد شرح الْحُكَمَاء هَذَا الْمَعْنى واستقصوه وَعَلمُوا النَّاس جِهَاد النَّفس فِي كتب الْأَخْلَاق فَمن اشتاق إِلَى معرفَة ذَلِك فليأخذ من هُنَاكَ. فانفعالات النَّفس وأفعالها بِحَسب قوتها كَثِيرَة وَهِي الشَّهَوَات