الآخر، أوضح من الشَّيْئَيْنِ المتقاربين اللَّذين لَيْسَ بَينهمَا إِلَّا بعد وأمد قريب يخفى على النَّاظر إِلَّا بعد حَده النّظر واستقصاء التَّأَمُّل على أَن الْفرق بَين صمت وَسكت أَيْضا غير ملتبس لِأَن السُّكُوت لَا يكون إِلَّا من مُتَكَلم وَلَا يَقع إِلَّا من نَاطِق. وَأما الصمت فَلَيْسَ يَقع إِلَّا عَن نطق لَا محَالة لِأَنَّهُ يُقَال: جَاءَ فلَان بِمَا صاء وَصمت يَعْنِي بِهِ ضروب المَال الْحَيّ مِنْهُ والجماد. وَلَا يُقَال فِي المَال: صَامت إِلَّا لما كَانَ غير ذِي حَيَاة وَلَا نطق وَلَا صَوت كالذهب وَالْفِضَّة وَمَا جرى مجْراهَا من الجمادات. وَأما المَال الَّذِي هُوَ مَاشِيَة وحيوان فَلَا يُقَال لَهُ: صَامت وَلَا يُقَال للصامت من المَال سَاكِت لِأَن السُّكُوت إِنَّمَا يكون عَن كَلَام أَو صَوت. وَقد يُقَال فِي الثَّوْب إِذا أخلق: سكت الثَّوْب وَإِنَّمَا ذَلِك على التَّشْبِيه كَأَنَّهُمْ لما وجدوه جَدِيدا يصوت ويقعقع شبهوه بالمتكلم ثمَّ لما أمسك عِنْد الإخلاق شبهوه بالساكت وَهَذَا من ملح الْكَلَام وطرف الْمجَاز.
(مَسْأَلَة خلقية لم تحاث النَّاس على كتمان الْأَسْرَار)
وتبالغوا فِي أَخذ الْعَهْد بِهِ وحرجوا من الإفشاء وَتَنَاهوا فِي التواصي بالطي وَلم تنكتم مَعَ هَذِه المقامات وَكَيف فَشَتْ وبرزت من الْحجب المضروبة حَتَّى نثرت فِي الْمجَالِس وخلدت فِي بطُون الصُّحُف وأوعيت الآذان وَرويت على الزَّمَان؟