82 - حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي مَعْرُوفُ بْنُ خَرَّبُوذٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ الْكِنَانِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، عَنِ الْأَعْشَى بْنِ النَّبَّاشِ بْنِ زُرَارَةَ التَّمِيمِيِّ، حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ قَالَ: «خَرَجْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ نُرِيدُ الشَّامَ فَنَزَلْنَا بِوَادٍ يُقَالُ -[78]- لَهُ وَادِي غَوْلٍ فَعَرَّسْنَا بِهِ فَاسْتَيْقَظْتُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ فَإِذَا بِقَائِلٍ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
أَلَا هَلَكَ النَّسَّاكُ غَيْثُ بَنِي فِهْرِ ... وَذُو الْبَاعِ وَالْمَجْدِ التَّلِيدِ وَذُو الْفَخْرِ
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ لَأُجِيبَنَّهُ فَقُلْتُ:
[البحر الطويل]
أَلَا أَيُّهَا النَّاعِي أَخَا الْجُودِ وَالْفَخْرِ ... مَنِ الْمَرْءُ تَنْعَاهُ لَنَا مِنْ بَنِي فِهْرِ
فَقَالَ:
نَعَيْتُ ابْنَ جُدْعَانَ بْنَ عَمْرٍو أَخَا النَّدَى ... وَذَا الْحَسَبِ الْقُدْمُوسِ وَالْمَنْصِبِ الْقَهْرِ
فَقُلْتُ:
لَعَمْرِي لَقَدْ نُوَّهْتَ بِالسَّيِّدِ الَّذِي ... لَهُ الْفَضْلُ مَعْرُوفًا عَلَى وَلَدِ النَّضْرِ
فَقَالَ:
مَرَرْتُ بِنِسْوَانٍ يُخَمِّشْنَ أَوْجُهًا ... صِيَاحًا عَلَيْهِ بَيْنَ زَمْزَمَ وَالْحِجْرِ
فَقُلْتُ:
مَتَى إِنَّمَا عَهْدِيَ بِهِ مُذْ عَرُوبَةٍ ... وَتِسْعَةِ أَيَّامٍ لِغُرَّةِ ذَا الشَّهْرِ
فَقَالَ:
ثَوَى مُنْذُ أَيَّامٍ ثَلَاثٍ كَوَامِلٍ ... مَعَ اللَّيْلِ أَوِ فِي اللَّيْلِ أَوْ وَضَحِ الْفَجْرِ
فَاسْتَيْقَظَتِ الرُّفْقَةُ فَقَالُوا: مَنْ تُخَاطِبُ؟ فَقُلْتُ: هَذَا هَاتِفٌ يَنْعِي ابْنَ جُدْعَانَ فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ بَقِيَ أَحَدٌ بِشَرَفٍ أَوْ -[79]- عِزٍّ أَوْ كَثْرَةِ مَالٍ لَبَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ فَقَالَ ذَلِكَ الْهَاتِفُ:
أَرَى الْأَيَّامَ لَا تُبْقِي عَزِيزًا ... لِعِزَّتِهِ وَلَا تُبْقِي ذَلِيلًا
قَالَ: فَقُلْتُ:
وَلَا تُبْقِي مِنَ الثَّقَلَيْنِ شَغْرًا ... وَلَا تُبْقِي الْحُزُونَ وَلَا السُّهُولَا
قَالَ: فَنَظَرْنَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَرَجَعْنَا إِلَى مَكَّةَ فَوَجَدْنَاهُ مَاتَ كَمَا قَالَ لَنَا»