325 - وحدثني والدي رضي الله عنه قال: حدثني أبو إسحق جدي قال: كنا ليلة بحضرة الوزير أبي محمد المهلبي والقاضي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن قريعة معنا، ونحن نتذاكر فأنشدت قطعة للعماني الراجز استحسنها كل من حضر، فقال لي القاضي: لمن هذه الأرجوزة يا أبا إسحاق؟ قلت له من طريق العبث به: لأبي العباس دستويه! وكان درستويه هذا جاهلاً متخلفا وفدما ناقصاً، وصاحباً لأبي سهل ديرزشت بن المرزبان العارض، وثقة من ثقاته، يجري مجرى خلفائه. قال أبو إسحق: فتعجب القاضي من قولي وقال: هذا رجل موفور المثابة من الفضل والدراية وقوة البضاعة في الأدب والرواية! قلت: هيهات الأمر على أكثر مما ذكرت وظننت، قال: فيجب أن أقصده وآخذ عنه وأستدعي ديوانه منه فأنتسخه وأقرأه عليه! فقلت: قد قصر القاضي حيث لم يفعل ذلك إلى الآن! قال: لم أعلم فلما كان من الغد بكر القاضي ولبس وتطيلس وصار إلى دار درستويه، ودخل إليه فسلم وجلس، وتعرف أخباره ثم قال: كنا البارحة بحضرة الوزير أطال الله بقاءه وأنشد صديق للشيخ أرجوزة من أراجيزه استحسنها الوزير وجميع من حضر، ولم أعلم أنه من الأدب بهذه المنزلة، فجئته لآخذ عنه ما ينشدنيه من فيه! فلم يعلم درستويه ما يقول، وقال لغلمانه: ادعوا أبا نصر، يعني ابنه، فحضر وكان في الجهل شراً منه، وقال له انظر ما يريد القاضي، فاستعاد منه القول، فلما استتمه لم يفهمه، إلا أنه سمع أرجوزة فقدر أنها خرقة، فقال لأبيه بالفارسية: القاضي يطلب خرقاً يعمل منها قلنسوة! فقال: السمع والطاعة، واستدعى خازنه وأمره بإحضار ما عنده من بقية الثياب، فأحضر رزمة كبيرة فيها نحو مائة خرقة من ديباج وسقلاطون ووشي وغير ذلك من فاخر الثياب فحلها وبسط الخرق بين يدي القاضي وقال له: اختر يا سيدي ما تريد، ففطن القاضي، وأخذ عشر خرق تساوي عشرين ديناراً، ووضعها في كمه ونهض، وقال: أحسن الله جزاء الشيخ وأطال بقاءه ولا أعدمناه! وراح القاضي في ذلك اليوم إلى دار الوزير أبي محمد، فلما اجتمعنا بين يديه على رسمنا قال لي: يا عيار نصبت لي مكيدة فنفعني الله بها! وشرح ما جرى له مع درستويه وأخرج الخرق من كمه فأراناها ثم ردها إلى كمه، وضحك الوزير وفحص برجليه، واستعاده الحديث مرات وضحكت الجماعة.

326 - وحدثني رضي الله عنه أيضاً قال: كان أبو الفرج محمد بن العباس قد جلس للعزاء بأبي الفضل العباس أبيه، وقد ورد الخبر عليه بذاك من فارس، فحضر العزاء أبو العباس درستويه، وقال حين جلس: رحم الله الأستاذ أبا الفضل فإنه كان تربي ومولاي وأستاذي، ثم أقبل على أبي الفرج فقال: أطال الله بقاء سيدنا، صح الخبر؟ فقال: قد وردت الكتب والأخبار به ولم يبق شك فيه! فقال له: دعني من هذا، ورد كتابه رضي الله عنه بخطه بصحة الخبر؟ فقال أبو الفرج: لو ورد كتابه بخطه ما جلسنا للعزاء وضحك الناس ونهض جماعة من شدة الضحك، ونهض أبو الفرج وقطع العزاء فلم يجلس من بعد.

327 - وحدث القاضي أبو علي المحسن بن علي التنوخي قال: رأيت عند القاضي أبي بكر بن قريعة في سنة إحدى وستين وثلثمائة شيخاً يعرف بابن سكران يتوكل له في ضياعه وضماناته ببادوريا فقلت له: من يكون منك ابن سكران الذي كان يتوكل للحسن بن عبد العزيز الهاشمي في ضيعته ويكتب إليه كتباً ظريفة مضحكة؟ فقال أنا هو، وسمناه أن يقرأ علينا شيئاً من ذاك، وكان يقول عنه إنه يحفظ، فامتنع، ولم أزل والقاضي أبو بكر به إلى أن أمل علي كتابين من لفظه على ما بهما من الخطأ والنقصان في الهجاء، فكان أولهما وعنوانه "من الحسن بن عبد العزيز الهاشمي الإمام أبو لمة يريد أبو الأئمة، لأن أولاده كانوا أئمة في الجوامع إلى وكيله وخادمه أبو القاسم بن سكران" ولولا أنه يقول إنه خادمه ما قلنا إنه منهم، ومضمونه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015