أصله أو جاء من وجهٍ آخر كهذا فهو من الحسن المقطوع به؛ ولذلك روى له مسلم في صحيحه وذكره في مقدّمته فيمن يشملهم اسم السّتر والصّدق وتعاطي العلم. وأمّا الانقطاع فإِنّ محمد بن علي قد قيل إنّه روى عن جدّه وعلى أنّ ذلك غير ثابت فهو محمولٌ على روايته عن أبيه عنه لأنّ جُلّ مروياته كذلك فهذا منها ويؤيّده ورود الحديث عن ابن عبّاس من وجه آخر فقد أخرجه البزار من جهة مسلم بن خالد الزّنجي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس قال: "وقّت رسول الله لأهل المشرق ذات عِرْق"، لكن رواه الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء مرسلًا بدون ذكر ابن عباس. قال ابن جريج: فقلت لعطاء: إنّهم يزعمون أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوقّت ذات عرق وأنّه لم يكن أهل المشرق يومئذ، فقال: كذلك سمعنا أنّه - صلى الله عليه وسلم - وقّت لأهل المشرق ذات عرق". وهذا لا ينفي كونه سمعه من ابن عبّاس كما هو ظاهر، لاسيّما وقد ورد من وجه ثالث أيضًا أخرجه ابن عبد البَرّ في التمهيد من طريق قاسم بن أصبغ ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا يزيد بن هارون ثنا حمّاد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عبّاس قال: "وقّت رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل العراق ذات عِرْق". وهذا سندٌ رجاله رجال الصّحيح وهو أصحّ ممّا رواه الشّافعي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال: "لم يوقّت رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذات عِرْق ولم يكن حينئذٍ أهل مشرق فوقّت الناس ذات عِرْق". فلا تعارض بينه وبين روايته السّابقة، لضعف السّند ولاحتمال أنّه كان يرى هذا الرأي ثمّ بلغه حديث ابن عباس فصار يرويه، أو سمع الحديث من ابن عبّاس وحدّث به، ولكنّه رجع عن القول به لهذه الشبهة الباطلةَ التي قامت عنده، وقد ردّها النّاس عليه وعلى من قال مثل قوله وجعلوا ذلك غفلة منهم؛ لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد وقّت لأهل الشّام الجُحْفَة وهي دار كفر لم تفتح بعد فكذلك العراق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015