الصحيح، وإلا فقد حكى الرافعي في كتاب الرهن أن الإنسان لو أقر بأنه جنى على المرهون فكذبه الراهن وصدقه المرتههن وأخذ منه الأرش ثم حصلت البراءة من الدين، ففيما يفعل مما أخذ من الأرش وجها، أصحهما: أنه يرد إلى المقر وبه جزم في الحاوي والاستقصاء، والثاني: يجعل في بيت المال. انتهى كلامه. فيه أمران:
أحدهما: أن ما زعمه من أن الوجه الذي حكاه الرافعي في مسألة الرهن يجري في الدين سهو، فإن الوجه المذكور محله على ما حكاه المصنف وغيره بعد قبض الدين من المقر وحصول البراءة من دين المرتهن، وفي تلك الحالة المقر به عين لا دين، لأن المقر يدعي أنه ليس مالكًا له لكونه أقبضه إقباضًا صحيحًا عما في ذمته بزعمه، فالمسألة عكس المسألة، ولو فرضنا أن محله أيضًا قبل القبض، لم يلزم جريانه في مسألتنا، لأنا هناك حكمنا أولًا بصحة الإقرار لتعلق حق المرتهن به، فاستصحبنا الصحة بعد ذلك بخلاف ما نحن فيه.
الأمر الثاني: أن استنباطه لهذا الوجه مما ذكره دليل على أنه لم يقف على التصريح به في مسألتنا وهو غريب، فإن الرافعي قد صرح به في الركن الثاني من كتاب الإقرار، وسيكون لنا عودة هناك إن شاء الله تعالى إلى ذكر لفظه.
قوله: فرع لو شهد شاهدان أنه اشترى من فلان ساعة كذا وشهد آخران أنه كان في تلك الحالة ساكتًا، فهل تقبل هذه الشهادة الثانية ونحكم بالتعارض أو لا تقبل؟ فيه خلاف، والذي ذهب إليه الأكثرون كما ذكره الإمام أنها مردودة لتعلقها بالنفي، ومبنى الشهادة على التعرض للإثبات، ومقابله يوجه بأن هذا نفي يمكن تقدير العلم فيه، وقد ادعى الرافعي في الفروع التي ذكرها في آخر كتاب الطلاق أنه ظاهر المذهب، لأنه قال: لو رأى ذهبًا وحلف بالطلاق أنه الذهب الذي أخذه من فلان، فشهد شاهدان أنه ليس ذلك الذهب وأنه حانث، فظاهر المذهب وقوع الطلاق وإن كانت هذه شهادة على النفي، لأنه نفي يحيط العلم به. انتهى كلامه.
وما نسبه إلى الرافعي من كونه قد قال إن ظاهر المذهب هو القبول سهو، بل الذي ادعاه إنما هو الروياني، وسبب الاشتباه أن الرافعي نقل عنه مسائل كثيرة وعطف بعضها على بعض، وكثرت تلك المسائل بحيث يظن الواقف أن ذلك من كلام الرافعي على العادة لبعد آخرها عن المنقول عنه.
واعلم أن الرافعي قد ذكر مسألة السكوت في كتاب ((القسامة))، وجزم بعدم القبول على وفق ما نقله الإمام عن الأكثرين.