ثم قال: إلا أنه يكره له قصد هذه المواضع لشم الروائح. هذا لفظه، ولم يتعرض الإمام ومن تبعه- كالغزالي- للمسألة، بل إنما يتكلم عن الفدية وعدمها، وكذلك جماعة منهم الماوردي. نعم، ذكر البندنيجي في ((تعليقه)) كما ذكر المصنف.
واعلم أن استمداد ((الكفاية)) من خمسة كتب: ((تعليقة)) القاضي الحسين، و ((تعليقة)) البندنيجي و ((تعليقة)) أبي الطيب، و ((النهاية)) و ((التتمة))، فهذه هي التي أغلب نقله منها، فلذلك لم أذكر لك ما عداها من الذين سووا بين الكعبة وغيرها. ويلي هذه الخمسة جماعة آخرون ينقل عنهم كثيرًا، وقد علمت أنه لم يقل بما ذكره من هؤلاء الخمسة إلا البندنيجي، وقد نقل النووي في ((شرح المهذب)) كلامه.
ثم قال: وليس كما قال، بل المذهب طرد الخلاف في الجميع. فصح ما قاله الرافعي، وبطل ما دل عليه كلام المصنف من انفراده بذلك.
قوله: الثاني: إذا قبل المحرم بيع الصيد أو هبته، وقبضه- فعليه رده إلى صاحبه. ثم قال: ولو لم يرده إلى صاحبه حتى مات في يده، وقد قبضه على حكم البيع والهبة- لزمه الجزاء، وضمنه لمالكه بالقيمة في البيع، دون الهبة، لأنه لم يدفعه إليه على أن يستحق لأجله عوضًا، كذا قال الشافعي نصًا في الهبة، وهو مبني على أصح الوجهين في ((الروضة)) في أن الهبة الفاسدة غير مضمونة، وقد سوى الرافعي بين الهبة والبيع والوصية، وجعل الكل مضمونًا عليه بالجزاء والقيمة. انتهى كلامه.
وما نقله عن الرافعي من تسويته بين الأمور الثلاثة غلط، فإنه إنما أوجب الضمان في البيع خاصة كما هو الصواب، فقال بعد حكاية الخلاف في الثلاثة المذكورة ما نصه: فإن صححنا هذه العقود فذاك، وإلا فليس له القبض، فإن قبض فهلك في يده فعليه الجزاء لله- تعالى- والقيمة للبائع. هذا لفظه، فانظر كيف لم يذكر أنه تلزمه القيمة للمالك حتى تدخل فيه الهبة والوصية، بل خصص البائع باللزوم حتى تخرجا عنه، والذي أوقع المصنف في هذا الغلط هو النووي، فإنه بعد اختصاره لكلام الرافعي على الصواب حصل له ذهول عما قرره، بحيث أداه إلى أن ظن فيه خلاف ما هو عليه، فبادر إلى التصريح بما ظنه والاعتراض عليه، والمصنف هنا قد صرح بنقله عن ((الروضة))، فرأى هذا الموضع فقلده فيه، وهو موضع غريب، فراجع ((الروضة)) تتعجب لما وقع له.
قوله: ولو صال عليه حلال راكب حمار وحش، ولم يتمكن من دفعه إلا بقتل الحمار- قال الصيدلاني: ففي الجزاء قولان للقفال، والذي أورده الأكثرون منهما: