وما ذكره من أن البندنيجي لم يحك إلا الطريقة الأخيرة ليس كذلك، فقد رأيت في ((تعليقه)) الذي ينقل عنه- وهو الذي يعرف بـ ((شرح المذهب)) و ((الجامع)) أيضًا، وذكر المصنف في خطبته أنه ((تهذيب المذهب)) - حكاية طريقين: إحداهما هذه، وعليها اقتصر في باب أهل الأعذار، والطريقة الثانية: أنها لا تجب على المرضع قولًا واحدًا، وفي الحامل قولان. كذا ذكرها في أوائل الصوم في باب من يجب عليه ومن لا يجب، واقتصر عليها أيضًا هناك، وهذا النقل جميعه إنما نقلته من النسخة التي كانت للمصنف- رحمه الله- وقد حكي البندنيجي أيضًا في كتابه المسمى بـ ((الذخيرة)) ثلاث طرق، إحداها: أن في المسألة ثلاثة أقوال كما سبق، قالها صاحب ((الإفصاح))، والثانية- قالها الشيخ، يعني أبا حامد- أنها لا تجب على الحامل قولًا واحدًا، وفي المرضع قولان، وهاتان الطريقتان حكاهما في أول كتاب الصيام، والطريق الثالث- وهو المحكي في الكتاب- حكاها بعد ذلك بثلاثة أبواب في الكلام على من أكل عامدًا.
قوله: فروع: أحدها: لو كانت الحامل والمرضع في سفر أو مرض، فأفطرتا: هل تجب عليها الفدية؟ نظر: إن فطرتا بسبب السفر أو المرض فلا، وإن أفطرتا لأجل الولد فنعم، وإن لم يكن لهما نية فوجهان، بناء على الوجهين في المسافر يطؤها على قصد الترخص: هل تلزمه الكفارة أم لا؟ ثم قال: ووافق القاضي الحسين على هذا البناء في حق المرضع إذا كانت مريضة، وقال فيها إذا كانت مسافرة: إن ألزمنا المجامع في السفر الكفارة فهنا أولى، وإلا فوجهان، والفرق: أن المرضع يجوز أن تلزمها الفدية وإن كان يباح لها الإفطار وهي إذا كانت في الحضر، كذلك هنا. انتهى.
وما ذكره عن القاضي الحسين من البناء المذكور لم يذكره في ((تعليقه)) على الوجه الذي ذكره، فاعلمه.
قوله: الثالث: إذا كان للمرضع ولدان، وأفطرت بسببهما: فهل تتعدد الفدية؟ فيه وجهان في ((التتمة)) وغيرها، أصحهما في ((الرافعي)) - وهو المذكور في ((التهذيب)) -: عدم التعدد. انتهى.
واعلم أن كلامه يوهم اختصاص الوجهين بالمرضع، وأنهما لا يجريان في الحامل، وليس كذلك، فقد صرح صاحب ((التتمة)) بجريانهما فيهما معًا، فقال: إذا كانت حبلى بولدين، أو ترضع ولدين: فهل يلزمها فدية واحدة أو فديتان؟ في المسألة وجهان. هذا لفظه.