بل ووجهوا هجومًا عنيفًا عليها، وقد حاول هؤلاء المؤرخون أن يجعلوا من اختلاف الأمة على من يخلف الرسول صراعًا طبقيًا، وفي رأيهم أن الأمة الإسلامية انقسمت بعد وفاة النبي إلى ثلاث مجموعات متحاربة متناحرة، وهم: المهاجرون، الأنصار، وأصحاب النص والتعيين، وكل طبقة من هذه الطبقات كانت تريد أن تحصر الخلافة فيها، والطبقة الأخيرة كانت تريد أن تجعل من علي رضى الله عنه خليفة بناء على حق الولاية، وعلاوة على هذه الطبقات الثلاث كانت هناك جماعة بني أمية والذين كانوا يرون لأنفسهم شرفًا سياسيًا واجتماعيًا داخل المجتمع العربي، كما كانوا ولا شك يحلمون بأن يتولوا حكم العرب إلا أن التاريخ الإسلامي قد أثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك لأصحابه قضية خلافته، وكانت هذه حكمة عالية نبعت من روح الإسلام.
والبحث الذي دار في سقيفة بني ساعدة لم يكن نتيجة تخريب سياسي أو تكتل فئوي بل هو دليل على إبداء جميع الأفكار والنظريات، فالأنصار بما قاموا به من تضحيات يرون أنفسهم أحق بالخلافة بينما ممثلو المهاجرين يريدون أن يحسم الأمر في ضوء المصلحة الأهم للأمة، وفي النهاية يتفق الأنصار مع وجهة نظر المهاجرين في هذا الأمر، وقد ظل الأنصار طوال عصر الخلافة الرشيدة وحتى العصر الأموي والعباسي يبحثون عن الحق من أجل الوصول إليه لا من أجل هوى النفس كما يحاول المؤرخون المغرضون إثباته، وفيما يتعلق بالفئتين المذكورتين أخيرًا (أصحاب النص والتعيين والأمويين) فلم تكن لها وجود كجماعة أو طائفة سياسية في تلك المرحلة التاريخية، أما التكتل فهو أمر وقع في القرن الرابع.
ومن الملاحظ أن نظرية المؤرخين السابقة إنما تعرض فقط من أجل إعطاء صورة تعبر عن اختلاف الأمة، ومن أجل تصوير الاختلاف على أنه صراع