الأقاليم وفي المحليات كليهما عمال محليون يقومون بتحصيل الزكاة والصدقات من المسلمين وجمع الجزية والخراج من غير المسلمين، ويجمعونها لدى الوالي أو الحاكم، وكان عمال الصدقات المركزيون يقومون بإرسال نصيب الحكومة المركزية -الذي كان يشتمل على الخمس- إلى المدينة المنورة. ومن الواضح أن عمال الصدقات المركزيين كانوا يقومون بإيصال صدقات المناطق المركزية إلى المدينة المنورة وما حولها من مناطق خاضعة لها ومن بين المسئولين كان هناك من يقوم على الإنتاج كأعمال الخرص / الخراص، وأصحاب الحمى [الأول على الزراعة والإنتاج والثاني على المراعي].
ونتساءل ... أي علاقة لنظام الحكم المركزي المفصل هذا الذي مضى على نسق ثابت ومحدود من النظام القبلي للعصر الجاهلي؟ لقد كان رسول الله من حيث كونه مبلغًا عن الله هو الحاكم الأعلى للدولة الإسلامية جميعها، ولهذا كانت مركزية حكومته ودولته أمرًا لازمًا وشيئًا منطقيًا ظهر ووضح في شكل تطور الإدارات السياسية. أما النتيجة التي وصل إليها المستشرقون، والتي تقول إن حكمه صلى الله عليه وسلم كان مبنيًا على أساس النظام القبلي فقد اشتملت على نتائج خاطئة، حقا لقد استفاد صلى الله عليه وسلم إفادة كاملة من بعض هيئات النظام القبلي القديم.
وقد أقرها ما دامت ذات فائدة، إلا أنه أسس دولته وحكومته على أصول المركزية، وأكبر دليل على مركزية النظام هو الوحدة السياسية التي شملت شبه الجزيرة العربية كلها، وهي الوحدة التي تحققت لأول مرة للعرب في ظل الإسلام ومحمد رسول الله، وكانت مركزية الحكم والدولة من ثمار كون الإسلام دينًا وسياسة معًا أي دين ودولة، دنيا وآخرة معًا .. وهكذا وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدة سنوات أظلَّ الإسلام جزءًا كبيرًا من العالم، وشملت حدود الدولة الإسلامية منطقة شبه الجزيرة العربية ومناطق أخرى تمتد من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.