وانتشارها قد قلّ قليلاً حتى أيام غزوة الخندق إلا أنه بعد غزوة الخندق، بدأت الدولة توسع حدودها بسرعة ونتيجة لغزوة خيبر، وصلت حدودها من ناحية الشمال إلى مدى بعيد، وبعد فتح مكة وفتح حنين وغزوة الطائف ضمت إليها المناطق الشرقية والقبائل الجنوبية، وبعد خضوع قبائل العرب أصبحت الدولة الإِسلامية تضم شبه الجزيرة العربية بأكملها، واعترفت جميع القبائل العربية والمناطق العربية بتفوق المدينة وسلطتها والدليل التاريخي الذي لا يقبل الاعتراض والشك، هو أن القبائل التي أسلمت قد قبلت مسئولية أداء الزكاة والصدقات، بينما قبلت الفئات غير المسلمة دفع الجزية والخراج، وظلوا بكل إخلاص وإيمان يحافظون على عهدهم في أدائها، هذا بالإضافة إلى أنه فيما يتعلق بجميع المعاملات السياسية والنظامية كانوا يطبقون أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونكتفي هنا بذكر مثالين فقط:
كان بنو تغلب، ونصارى ويهود القرى الشمالية يؤدون الجزية والخراج، بل عرض هؤلاء دفع الزكاة مضاعفة بدلاً من الجزية، عرضوا هذا بأنفسهم، وهو ما لم يقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأهم من ذلك أن نصارى نجران لم يسلموا فقط بأداء الجزية، بل واتفقوا على شرط التوبة من العمل بالربا، هذا بالإضافة إلى أنهم التزموا بالعمل طبقًا للأحكام النبوية الأخرى، وهذه دلالة عملية على ما كان للدولة الإِسلامية والحكومة الإِسلامية من عامل مؤثر.
يتأكد من البحث السابق أيضًا أن دولة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكومته كانت قائمة على أصول مركزية، بينما كان النظام والشكل السياسي للعرب قبل الإِسلام قائمًا على نظام قبلي خالص. ففي النظام الجاهلي كانت كل قبيلة، بل كان كل بطن يمثل بنفسه وحدة سياسية تقوم في داخلها وبطريقة مستقلة بتسيير جميع أمورها الداخلية والخارجية بطريقة حرة لا يتدخل فيها أحد، أما في دولة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت له السيطرة وكان له الحكم على جميع القبائل