قبلت الرفعة السياسية للدولة الإسلامية ولم تقبل الإسلام.
وقد ذهب بعض المستشرقين اليهود والنصارى إلى حد أنهم قسموا حياة الرسول الطيبة إلى قسمين منفصلين، فجعلوه رسولاً مكيًّا مرة، ورسولاً مدنيًا مرة أخرى، ففي رأيهم أنه في مكة المكرمة يبدو وكأنه رسول بينما هو في المدينة جعل من نفسه قيصر العرب وحاكمًا سياسيًا؛ لأنه طبقًا لتفكيرهم الباطل هذا فإن الرسول في المدينة أنهى الرسالة وأبطل تبليغ الدين. وطبقًا لدعواهم هذه فقد قضى معظم وقته في هذه الفترة في الحرب وفي إقامة التنظيم السياسي، وفي تكوين وتشكيل الحكومة والدولة، ولا شك أن بعض المؤرخين من ذوي الحس والشعور يقدمون هذا العذر قائلين: ولابد أنه قام بمحاولات من أجل تبليغ الدين غير أنها انحصرت في المشاكل السياسية وطبقًا لاعتقادهم فالإسلام قد انحصر داخل القبائل المتركزة بالقرب من المدينة ومكة، أما قبائل مثل هوازن وغطفان فقد قبلت الإسلام فقط لتنال الرفعة السياسية، ولم تقبله لتنال رفعة دينية أو رفعة بالإسلام، أما القبائل اليهودية والمسيحية فقد قبلت بالحاكمية السياسية فقط، وأنكرت ورفضت تمامًا فكرة تغيير الدين، بينما لم يصل الإسلام إلى المناطق العربية الجنوبية والمناطق الشرقية ولا إلى قبائل المنطقة الشمالية الشرقية وإلى المناطق الشمالية، وطبقًا لدعواهم تلك فإن جميع هذه المناطق إذا كانت قد سلمت برفعة المدينة وحكمها إلا أن هذا الأمر اقتصر فقط على المعاملات السياسية، ولم تكن له أي علاقة بالدين. وعلى المسلمين أن يحللوا تاريخيًا هذه الدعوى الطائشة التي يدعيها المستشرقون.
ورغم أننا حتى الآن لم نحلل تحليلاً كاملاً قضية تبليغ الإسلام ونشره في العهد النبوي مرحلة تلو مرحلة إلا أننا عرضنا عرضًا سريعًا لبعض المطالعات فقط، ويفهم من مطالعة مصادر التاريخ الإسلامي ومراجعه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حالفه التوفيق الكامل في تبليغ ونشر الدين في مكة المكرمة، فقد وجد