كان قد اجتمع بصور أهل البلاد التي أخذها السلطان بالأمان فكثر جمعهم حتى ساروا في عالم لا تحصى كثرته وأرسلوا إلى البحرين يستنجدون وصوروا صورة المسيح وصورة عربي يضرب المسيح وقد أدماه وقالوا هذا نبي العرب يضرب المسيح فخرجت النساء من بيوتهن ووصل من الإفرنج في البحر عالم لا يحصون كثرة وساروا إلى عكا من صور ونازلوها في منتصف رجب من هذه السنة وضايقوا عكا وأحاطوا بسورها من البحر إلى البحر ولم يبق للمسلمين إليها طريق فسار إليهم السلطان ونزل قريب الإفرنج وقاتلهم في مستهل شعبان وباتوا على ذلك وأصبحوا فحمل تقي الدين صاحب حماة في ميمنة السلطان على الإفرنج فأزالهم عن موقفهم والتصق بالسور وانفتح الطريق إلى المدينة يدخل المسلمون ويخرجون وأرسل السلطان إلى عكا عسكر نجدة ولحق من جملتهم أبو الهيجاء السمين وبق المسلمون يغادون القتال ويراحونه إلى العشرين من شعبان ثم كان بين المسلمين وبينهم وقعة عظيمة فإن الإفرنج اجتمعوا وضربوا مع السلطان مصاف وحملوا على القلب فأزالوه وأخذوا يقتلون في المسلمين إلى أن بلغوا خيمة السلطان وانحاز السلطان إلى جانب وانضافت إليه جماعة وانقطع مدد الإفرنج واشتغلوا بقتال الميمنة فحمل السلطان على الإفرنج الذين خرقوا القلب وعطف عليهم العسكر فأفنوهم قتلاً وكان قتلى الإفرنج نحو عشرة آلاف نفس ووصل المنهزمون بعضهم إلى طبرية وبعضهم وصل إلى دمشق.
وجافت الأرض بعد هذه الوقعة ولحق السلطان مرض وحدث له قولنج فأشار عليه الأمراء بالانتقال من ذلك الموضع فوافقهم ورحل من عكا رابع عشر شهر رمضان إلى الخروبة فلما رحل تمكن الإفرنج من حصار عكا وانبسطوا في تلك الأرض. وفي تلك الحال وصل أسطول للمسلمين في البحر مع حسام الدين لؤلؤ وكان شهماً فظفر ببطسة للإفرنج فأخذها ودخل بها إلى عكا فقويت قلوب المسلمين وكذلك وصل الملك العادل بعسكر مصر إلى أخيه السلطان فقويت نفوس المسلمين بوصوله.
ذكر غير ذلك من الحوادث
فيها توفي بالخروبة الفقيه عيسى وكان مع السلطان وهو من أعين عسكره وكان جندياً فقيهاً شجاعاً وكان من أصحاب الشيخ أبي القاسم البرزي.