جميعاً إلى شيركوه، فوثب صلاح الدين وجرديك على شاور وألقياه إلى الأرض عن فرسه وأمسكاه في سابع ربيع الآخر من هذه السنة، فهرب أصحابه عنه، وأرسلا أعلما شيركوه بما فعلا، فحضر ولم يمكنه إلا إتمام ذلك. وسمع العاضد الخبر فأرسل إلى شيركوه يطلب منه إنفاذ رأس شاور، فقتله وأرسل رأسه إلى العاضد، ودخل بعد ذلك القصر عند العاضد، فخلع عليه العاضد خلعة الوزارة ولقبه الملك المنصور أمير الجيوش، وسار بالخلع إلى دار الوزارة، وهي التي كان فيها شاور، واستقر في الأمر، وكتب له منشوراً أوّله بعد البسملة: من عبد الله ووليه أبي محمد الإمام العاضد لدين الله أمير المؤمنين إلى السيد الأجل الملك المنصور سلطان الجيوش ولي الأئمة مجير الأمة أسد الدين أبي الحارث شيركوه العاضد عضد الله به الدين وأمتع بطول بقائه أمير المؤمنين وأدام قدرته وأعلى كلمته. سلام عليك، إنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ونسأله أن يصلي على محمد وآله الطاهرين والأئمة المهديين ويسلم تسليما. ثم ذكر تفويض أمور الخلافة إليه ووصايا أضربنا عنها للاختصار. وكتب العاضد بخطه على ظهر المنشور: هذا عهد لم يعهد لوزير بمثله فتقلد أمانة رآك أمير المؤمنين أهلا لحملها، فخذ كتاب أمير المؤمنين بقوة واسحب ذيل الافتخار بأن اعتزت خدمتك إلى النبوة. ومدحت الشعراء أسد الدين ووصل إليه من الشام مديح العماد الكاتب قصيدة أولها:
بالجد أدركت ما أدرجت لا اللعب ... كم راحة جنيت من دوحة التعب
يا شيركوه بن شاذي الملك دعوة من ... نادى فعرف خير ابن بخير أب
جرى الملوك وما حازوا بركضهم ... من المدى في العلا ما حزت بالخبب
ملكت من ملك مصر رتبة قصرت ... عنها الملوك فطالت سائر الرتب
قد أمكنت أسد الدين العزيمة من ... فتح البلاد فبادر نحوها وثب
وفي شيركوه وقتله شاور يقول عرقلة الدمشقي:
لقد فاز بالملك العظيم خليفة ... له شيركوه العاضدي وزير
هو الأسد الضاري الذي جل خطبه ... وشاور كلب للرجال عقور
بغى وطغى حتى لقد طال صحبه ... على مثلها كان اللعين يدور
فلا رحم الرحمن تربة قبره ... ولا زال فيه منكر ونكير