ولها أن ترجع إن وهبت قسمها للأخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد اقترن بما يدل على الندب وذلك أن القسم لم يكن واجبا محليه - صلى الله عليه وسلم - دل على ذلك قوله تعالى: {بترجي من تشاء منهن} [الأحزاب: 51]، الآية أي: تؤخر فكان ممن أخر كما قال المنذرة سعودة وجوهرية وأم حبيبة وصفية وميمونة وممن آوى عائشة والباقيات، قال البيضاوي: أو ترجئ أي: تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء منهن ومن ابتغيت طلبت ممن عزلت طلقت فلا جناح عليك في شيء من ذلك انتهى. ومحليه فلا دلالة في الآية على المدعى، قيد بالسفر لأن مرضه لا يسقط القسم.
قال في (البحر): ولم أر كيفية قسمه في مرضه حيث كان لا يقدر على التحول إلى بيت الأثري، والظاهر أن المراد أنه إذا صح ذهب عند الأخرى بقدر ما أقام عند الأولى مريضا، ولا يخفى أنه إذا كان الاختيار في مقدار الدور إليه حال صحته ففي مرضه أولى، فإذا مكث عند الأولى مرة أقام عند الثانية بقدرها وإذا مرض في بيت له دعي كل واحدة في نوبتها، لأنه لو كان صحيحا وأراد ذلك ينبغي أن يقبل منه، (ولها) أي: الزوجة بأن ترجع إن وهبت قسمها للأخرى) تضمن كلامه صحة الهبة أيضا لأن سعودة بنت جمعة سألته - صلى الله عليه وسلم - أن يراجعها ويجعل نوبتها لعائشة رضي الله تعالى عنها هكذا استدل به المشايخ وتعقبهم في (الحواشي السعدية) بما قدمناه من أن القسم لم يكن واجبًا عليه عليه الصلاة والسلام فلا يصح قياس الواجب، لجواز أن يكون جعلها إياه لعائشة لعدم وجوب القسم انتهى.
ولا يخفي أن هذا مما لا أثر له إذ المدعى إنما هو صحة الهبة شعواء كان القسم
واجبًا أو مندوبا وقد اقتضى الدليل ذلك وسودة هذه تزوجها - صلى الله عليه وسلم - بأربعمائة دينار وماتت في آخر خلافة عمر ثم تزوج عائشة ولذا خصتها بالهبة، وإنما صح رجوعها لأنها أسقطت حقا لم يجب فلا يسقط وفي (البدائع) لأن الهبة كانت إباحة منها والإباحة لا تكون لازمة كالمباح له الطعام يملك المبيح المنع منه والرجوع عن ذلك انتهى.
وهو صريح في أن طلاق الهبة مجاز، وفي كلام غيره ما يومئ إلى أن الهبة بمعنى العارية وما في (البدائع) لا ينافيه لأنه قد قيل بان العارية إباحة المنافع على ما سياسي وإن كان الأصح خلافه، بقي لو جعلته لمعيته هل يجوز لها أن يجعله بغيرها لم أرها لهم، والمسطور في كتب الشافعية أنه لا يجوز، وفرعوا عليه ما إذا كانت ليلة الواهبة تلي ليلة الموهوبة قسيم لها ليلتين متواليتين، وإن كانت هل له الموالاة قولان قال في (البحر): ولعل المشايخ إنما لم يعتبروا هذا التفصيل لأمن هذه الهبة إنمائي إسقاط عنه فكان الحق له سعداء وهبت له أو لصاحبتها فله أن يجعل حصة الواهبة لمن شاء.