وَإِن أبغضه وَلَو كَانَ حكمه عَلَيْهِ وشهادته لَا تجوز مَعَ البغض لَهُ لما كَانَ لأَمره بِالْعَدْلِ فِيهِ وَجه
وَقَالَ ابْن عقيل التهم إِنَّمَا تقدح إِذا كَانَت تُهْمَة قادحة لفرط الإشفاق فِي الْأُبُوَّة والعداوة بَين المتعادين وَالْفِسْق الَّذِي يزِيل الْعَدَالَة وتزول مَعَه الثِّقَة فَأَما مَا بعد التُّهْمَة الَّتِي إِذا علق الرَّد عَلَيْهَا انسد بَاب الشَّهَادَة فَلَا بِدَلِيل أَن الْأخْتَان والأصهار يتضاغنون وَأهل الصِّنَاعَة الْوَاحِدَة يتحاسدون والمختلفون فِي الْمذَاهب يتخارصون وَلَكِن لما بعد ذَلِك وَلم يخل مِنْهُ أحد سقط اعْتِبَاره وَلم يمْنَع قبُولهَا لِئَلَّا ينسد بَاب الشَّهَادَة وَكَذَلِكَ الْقَرَابَة كلهَا تُعْطى إشفاقا وعصبية حَتَّى الْقَبِيلَة انْتهى كَلَامه
وَاحْتج الْخصم أَن هَذِه الْعَدَاوَة فَلَا تمنع قبُول الشَّهَادَة كالصداقة كشهادته لَهُ
وَأجَاب القَاضِي وَغَيره بِأَن الشَّرْع ورد بالتفرقة بَين الْعَدَاوَة والصداقة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل شَهَادَته خُزَيْمَة بن ثَابت لنَفسِهِ وَنحن نعلم أَن صداقة الصَّحَابِيّ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزيد على كل صداقه ورد شَهَادَة الْعَدو بقوله لَا تقبل شَهَادَة خصم وَلَا ظنين وَلَا تقبل شَهَادَة ذِي طعن وَلِأَن الصداقة لَا تحمل على الْكَذِب للصديق والعداوة تحمل على الْكَذِب وَلَا تمنع الْعَدَالَة مِنْهُ وَهَذَا مَعْلُوم بِالْعَادَةِ من طباع النَّاس وخلقهم وجبلتهم
وَأما شَهَادَة الْعَدو لعَدوه فَتقبل ذكره القَاضِي مَحل وفَاق غير مرّة لِأَنَّهُ مُتَّهم عَلَيْهِ غير مُتَّهم لَهُ فَهُوَ على مَا قُلْنَا فِي شَهَادَة الْأَب تقبل على وَلَده وَلَا تقبل لَهُ
وَقَالَ أَيْضا وَقَالَ شَيخنَا أَبُو عبد الله فِيهِ وَجه آخر لَا تقبل شَهَادَته لَهُ لِأَنَّهُ مُتَّهم أَيْضا فِي ذَلِك بِأَن يقْصد الصُّلْح والصداقة فَيشْهد لَهُ بذلك