فَلم يكن اعْتِبَار إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى لِأَن الْمُسلم يعادي الذِّمِّيّ من طَرِيق الدّين وَهُوَ لَا يَدعُوهُ إِلَى مَا يخَاف من ذَنبه وَمن الْكَذِب عَلَيْهِ وعداوة الْمُسلم للْمُسلمِ عدواة تحاسد وتنافس وتباغض وَهَذَا يحمل من طَرِيق الْعَادة والجبلة على مُخَالفَة الدّين والإضرار بِهِ بِالْكَذِبِ والمين
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا يَقْتَضِي أَن عدواة المتدين بذلك متأولا لَا تمنع قبُول الشَّهَادَة فَصَارَ على الظَّاهِر فِيهَا ثَلَاثَة أوجه انْتهى كَلَامه
وَقَالَ أَيْضا لَيْسَ فِي كَلَام أَحْمد وَلَا الْخرقِيّ تعرض لِلْعَدو وَإِنَّمَا هُوَ الْخصم والتفريق بَين الْخصم فِي الحَدِيث مُوَافق لما قلت وَقد يُخَاصم من لَيْسَ بعدو وَقد يعادي من لَيْسَ بخصم وَإِنَّمَا الْخصم هُوَ الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ فشهادته شَهَادَة مُدع أَو مدعى عَلَيْهِ وَلَا يجوز أَن يُرَاد بِهِ أَن كل من خَاصم شخصا فِي شئ مرّة لم تقبل شَهَادَته عَلَيْهِ فِي غير ذَلِك إِذا لم يكن بَينهمَا إِلَّا مُجَرّد المحاكمة فَإِن محاكمته فِي ذَلِك الشئ بِمَنْزِلَة مناظرته فِي علم وَقد يكون المتاحكمان عارفين للحق لَا يَدعِي أَحدهمَا ظلم الآخر بِمَنْزِلَة المحاكمة فِي الْمَوَارِيث وموجبات الْعُقُود وَهُوَ أحد نَوْعي الْقَضَاء الَّذِي هُوَ إنْشَاء من غير إِنْكَار وَلَا بَيِّنَة وَلَا يَمِين وَلَا يحمل كَلَام أَحْمد على هَذَا وَإِنَّمَا أَرَادَ وَالله أعلم أَن من خَاصم فِي شئ مرّة ثمَّ شهد بِهِ لم تقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة من ردَّتْ شَهَادَته لتهمة ثمَّ أَعَادَهَا بعد زَوَال التُّهْمَة وَهنا المخاصم طَالب فَإِذا شهد بعد ذَلِك فَهُوَ مُتَضَمّن تَصْدِيق نَفسه فِيمَا خَاصم فِيهِ أَولا وَهَذَا يدحخل فِيهِ صور
مِنْهَا أَن يُخَاصم فِي حُقُوق عين هِيَ ملكه ثمَّ تنْتَقل الْعين إِلَى غَيره فَيشْهد وَمِنْهَا أَن يكون وليا ليتيم أَو وقف وَنَحْوهمَا ويخاصم فِي شئ من أُمُوره ثمَّ يخرج عَن الْولَايَة وَيشْهد بِهِ
وَمِنْهَا أَن يكون وَكيلا فيخاصم ثمَّ تَزُول وكَالَته فَيشْهد فِيمَا خَاصم فِيهِ