قولُهُ: (مِنْ إدْرَاكِ بَعْضِهِ) (?) الاستدلالُ على هذا بالحديثِ (?) منْ مفهومِ الموافقةِ بطريقِ الأولى، فإنّ منَ المعلومِ الذي لا يُشكُّ فيهِ أنَّ الصحابةَ - رضي الله عنهم - لم يكونوا يسردونَ الحديثَ سَرداً يمنعُ من إدراكِ بعضِهِ، وقد قالتْ عائشةُ - رضي اللهُ عنها - فيهمْ ذلكَ، فما الظنُّ بِسردٍ يمنعُ من إدراكِ البعضِ.

قالَ ابنُ دَقيقِ العيدِ: ((ولقد تسامحَ / 237 أ / الناسُ في هذه الأعصَارِ، فيستعجلُ القُرَّاءُ استعجالاً يمنعُ من إدراكِ حروفٍ كثيرةٍ، بل كلماتٍ، وهذا عندنا شديدٌ، لأنَّ عمدةَ الروايةِ الصدقُ، ومُطابقةُ ما يُخبرُ بهِ للواقعِ، وإذا قالَ السامعُ على هذا الوجهِ: قُرِىءَ على فُلانٍ وأنا أسمعُ، أو أخبرنا فلانٌ قراءةً عليه وأنا أسمعُ، فهذا إخبارٌ غيرُ مطابقٍ، فيكونُ كذباً، وما قيلَ في هذا من أنَّه يدخلُ في الإجازةِ [المقرونةِ بالسّماعِ، ويكونُ ذلك روايةً لبعضِ الألفاظِ بالإجازةِ] (?) من غير بيانٍ، فهو تسامحٌ لا أرضَاهُ، لما أَشَرنا إليهِ من بُعدِ لَفظِ الإجازةِ من معنى الإخبارِ، بل هَاهُنا أمرٌ زائدٌ، وهو دلالةُ اللفظِ على أنَّه سمعَ جميعَ ما يرويهِ من الشيخِ، ولم يكنِ المتقدّمونَ على هذا التساهلِ.

هذا أبو عبدِ الرحمانِ النّسَائيُّ يقولُ فيما لا يُحصَى من المواضعِ في كتابهِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015