الوجودُ الذاتيُّ فإنَّهُ إذا ثبتَ تضمّنَ الجميعَ، وإنْ تعذّرَ فالحسيُّ، فإنَّهُ إذا ثبتَ تضمّنَ ما بعدهُ، فإن تعذّرَ فالخياليُّ أو العقليُّ، فإن تعذرا فالوجودُ الشبهيُّ المجازيُّ، ولا رخصةَ في العدولِ عنْ درجةٍ إلى ما دونها إلا بضرورةِ البرهانِ فيرجعُ الاختلافُ على التحقيقِ إلى البرهانِ، إذ يقولُ الحنبليُّ: لا برهانَ على استحالةِ اختصاصِ الباري تعالى (?) بجهةِ فوق، ويقولُ الأشعريُّ - أي: للمعتزليِّ -: لا برهانَ على استحالةِ الرؤيةِ وكانَ كلُّ واحدٍ لا يرتضي ما ينكرُهُ (?) / 219أ / الخصمُ ولا يراهُ دليلاً قاطعاً، وكيفَ ما كانَ فلا ينبغي أنْ يكفرَ كلُّ فريقٍ خصمَهُ بأنْ يراهُ غالطاً في البرهانِ، نَعَمْ، يجوزُ أنْ يسميهِ ضالاً أو مبتدعاً، أمّا ضالاً فمن حيثُ إنّهُ ضلَّ عن الطريقِ عندَهُ، وأمّا مبتدعاً فمنْ حيثُ إنهُ أبدعَ قولاً (?) لم يُعهدْ منَ السلفِ التصريحُ بهِ، إذ منَ المشهورِ فيما بينَ السلفِ أنَّ اللهَ تعالى يرى، فقولُ القائلِ: لا يرى بدعةٌ، وتصريحهُ بتأويلِ الرؤيةِ بدعةٌ، ويقولُ الحنبليُّ: إثباتُ الفوقِ للهِ تعالى مشهورٌ عندَ السلفِ ولم يذكر أحدٌ (?) منهم أنَّ خالقَ العالَمِ ليسَ متصلاً بالعالمِ ولا منفصلاً، وأنَّ جهةَ فوق إليه كنسبةِ جهةِ تحت، وهذا قولٌ مبتدعٌ.

ثم قالَ: منَ الناسِ منْ يُبادرُ إلى التأويلِ بغلباتِ الظنونِ منْ غيرِ برهانٍ قاطعٍ، فأمّا ما يتعلقُ منْ هذا الجنسِ بأصولِ العقائدِ المهمةِ فيجبُ تكفيرُ مَنْ يغيّرُ الظاهرَ بغيرِ برهانٍ قاطعٍ، كالذي يُنكرُ حشرَ الأجسادِ وينكرُ العقوباتِ الحسيةَ في الآخرةِ بظنونٍ وأوهامٍ.

ثم قالَ: اعلمْ أنْ شرحَ ما يُكفَّرُ بهِ، وما لا يُكفَّر بهِ يستدعي تفصيلاً طويلاً، فاقنعِ الآنَ بوصيةٍ وقانونٍ، أمّا الوصيةُ فأن تكفَّ لسانَكَ عنْ أهلِ الملةِ ما أمكنكَ ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015