والتَّصنيِفِ، وعليهِ في كُلِّ ذَلِكَ تَصْحِيحُ القَصْدِ والْحَذَرُ مِنْ قَصْدِ المكاثَرَةِ ونَحْوِهِ، بَلَغَنا عَنْ حَمْزَةَ بنِ مُحَمَّدٍ الكِنانيِّ أنَّهُ خَرَّجَ حَديثاً واحِداً مِنْ نَحوِ مِئتَي طريقٍ فأعْجَبهُ ذلِكَ، فرأى يَحْيى بنَ مَعينٍ في مَنامِهِ فَذَكَرَ لهُ ذَلِكَ، فقالَ لهُ: أخشى أنْ يَدْخُلَ هذا تَحْتَ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} (?))) (?).
قولُهُ: (رُوِّيْنا عَنْ عليِّ بنِ المدينيِّ) (?) إنما جعلَ هذا كالدليلِ لكراهةِ جمعِ المقصرِ من حيثُ إنّه قيّده بأولِ كتابتهِ فإنَّ الإنسانَ إذا أخذَ في طلبِ علمٍ من
العلومِ يكونُ عنهُ كالأجنبيِّ، فلا تكونُ لهُ فيهِ ملكةٌ إلا بعد ممارسةٍ كثيرةٍ، وتخصيصهُ هذينِ الحديثينِ لكثرةِ طرقهما، وإنما قالَ: ((قفَاهُ)) إشارة إلى إدبارِهِ عن الخيرِ.
عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وَلْيَتَّقِ أنْ يَجْمَعَ ما لَمْ يَتَأَهَّلْ بَعْدُ لاجْتِناءِ ثَمَرتِهِ واقْتِنَاصِ فائِدة جَمْعِهِ، لئَلا (?) يَكونَ حُكْمُهُ مَا رُوِّيْنا عَنْ عليِّ بن المدينيِّ)) فذكره.
وقال عَقِبَهُ: ((ثُمَّ إنَّ هذا الكتابَ مَدخلٌ إلى هذا الشَّأنِ، مُفْصِحٌ عَنْ أصُولِهِ وفُروعِهِ، شارِحٌ لمصطلحاتِ أَهلهِ ومقاصِدِهم وَمُهِمَّاتِهم التي ينْقُصُ المحَدِّثُ بالجهلِ بِها نقْصاً فاحِشاً، فهو إن شاءَ الله جَديرٌ بأنْ تُقَدَّمَ العنايةُ بهِ)) (?). انتهى.
وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((ولتكنْ عنايتهُ بالأَولى فالأَولى مِنْ علومِ الحديثِ،
ومِنَ الخَطأ الاشتغالُ بالتَّتِمَّاتِ والتكميلاتِ مِنْ هذه العلوم وغيرِها مع تَضييعِ المهماتِ)) (?).