ويظهر أن أول دخوله بغداد كان في أواخر سنة 282، أو أوائل التي تليها، فإن أعلى من سمع دعلج منه ببغداد -كما يؤخذ من ترجمته في "تذكرة الحفاظ" (?) - محمد بن ربح البزار ومحمد بن غالب تمتام، وكانت وفاتهما سنة 283، وقد كان ببغداد الحارث بن أبي أسامة، وهو أسن منهما وأعلى إسنادًا وأشهر ذِكْرًا، وتوفي يوم عرفة سنة 282، ولم يذكروا لدعلج عنه رواية، ولو أدركه ما فاته، فعلى هذا أول ما لقي دعلج الأبار سنة 283، وسن الأبار يومئذ نحو سبعين سنة، وسن دعلج نحو ثلاث وعشرين سنة.

ولم يكن دعلج حينئذٍ ذا ثروة ولا إنفاق؛ لأنه أقام بعد ذلك بمكة زمانًا، وسمع بها من الحافظ المعمر عالي الإسناد: علي بن عبد العزيز البغوي، المتوفى سنة 286، وكان البغوي بغاية الفقر، حتى كان يضطر إلى أخذ الأجرة على الحديث، ... وبقي على ذلك إلى أن مات، إذ لو كَفَّ قبل موته، لكان الظاهر أن يذكر ذلك تلامذتُه الأجلاء، وهم كثير، ولهم حرص على أن يدفعوا عن شيخهم ما عِيب به، فيقول واحد منهم أو أكثر: إنما كان يأخذ للضرورة ثم كَفَّ عن ذلك.

... ، والأبار توفي سنة 290، أي وسن دعلج ثلاثون سنة، وعاش دعلج بعده فوق ستين سنة، فإنه توفي سنة 351، والظاهر مما ذكروه من أنه أقام بمكة زمانًا أنه لم يسكن بغداد إلا بعد وفاة الأبار بمدة، فبالنظر فيما تقدم يتبين أنه ليس هناك أدنى قرينة تقتضي أن يكون دعلج وصل الأبار بفلس واحد.

أما ابن خزيمة فإنه توفي سنة 311، أي بعد وفاة الأبار بإحدى وعشرين سنة، وإنما تجرد للتأليف في العقائد في أواخر عمره، وفي "تذكرة الحفاظ" (ج 2 ص 262) عن الحاكم عن جماعة: لما بلغ ابن خزيمة من السن والرياسة والتفرد بهما ما بلغ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015