أما أولًا: فلأن ابن القطان إنما قال: "ومحمد بن علي إنما هو معروف بالرواية عن أبيه عن جده ابن عباس ... ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم أنه روى عن جده". ثم نقل كلام مسلم في "التمييز"، فهذا واضح من كلام ابن القطان -كما سبق في تقريرنا- أن الأصل في رواية محمد بن علي أنها عن أبيه عن جده، فلما جاءت رواية يزيد بن أبى زياد هذه بإسقاط (أبيه) وقع الشك -حسبما عبَّر ابن القطان- في سماع محمد من جده. لا أن ابن القطان يقول إن سبب الشك في هذا السماع هو وجود (أبيه) بين محمد وجده في بعض حديثه، فهذا قَلْبٌ للأمر.

ثانيًا: لا يصح ما ذكره العوني شرحا لكلام ابن القطان إلا إذا عكسنا القضية، فتكون رواية محمد بن علي عن جده مستفيضة، أو قائمة يعترف بها الأئمة ويثبتونها في كتبهم، ثم يبحثون في سماعه منه، فيقعون على بعض الروايات التى ترد بزيادة (أبيه)، فحينئذ يقولون: لم يذكر سماعا، ويروي أحيانا بواسطة، فيغلب على ظنهم عدم السماع.

وهذا نموذج عجيب لعدم فهم تصرفات القوم في تعاملهم مع الأسانيد والروايات. وعُذر العوني ميلُه الشديد لإثبات ما تقرر عنده سلفا. والله تعالى الموفق.

المثال الثاني:

ذكر ابن رجب في "فتح الباري" حديثا لأبي صالح -مولى أم هانىء- عن ابن عباس، ثم قال: وقال مسلم في كتابه "التفصيل": "هذا الحديث ليس بثابت، وأبو صالح باذام قد اتقى الناس حديثه، ولا يثبت له سماع من ابن عباس". اهـ.

أقول:

أبو صالح هذا قد اتُّهم بالكذب، والقضية إنما هي في رواية الثقة غير المدلس، وأبو صالح ليس هو بالثقة، ولا هو ممن يُؤمن منه التدليس، فقول مسلم: لا يثبت له سماع من ابن عباس، إنما هو باعتبار أنه في نفسه ليس بثقة حتى تُحتمل منه عنعنةٌ بالشرائط التي ذكرها مسلم. فالمثال لا يصلح إلا مع اكتمال أركان المسألة، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015