بَابُ الحَدِّ وَالعَرْشِ

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَادَّعَى المُعَارِضُ أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ لله حَدٌّ وَلَا غَايَةٌ وَلَا نِهَايَةٌ. وَهَذَا هُوَ الأَصْلُ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ جَهْمٌ جَمِيعَ ضَلَالَاتِهِ، وَاشْتَقَّ مِنْهَا أُغْلُوطَاتِهِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ سَبَقَ جَهْمًا إِلَيْهَا أَحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ.

فَقَالَ [8/ظ] لَهُ قَائِلٌ مِمَّنْ يُحَاوِرُهُ: قَدْ عَلِمْتُ مُرَادَكَ بِهَا أَيُّهَا الأعجمي، وتعني أَن الله لَا شَيْءٌ؛ لأنَّ الخَلْقَ كُلَّهُم عَلِمُوا أَنَّه لَيْسَ شَيءٌ، يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّيْءِ إِلَّا وَلَهُ حَدٌّ وَغَايَةٌ وَصِفَةٌ، وَأَنَّ لَا شَيْءٌ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ وَلَا غَايَةٌ وَلَا صِفَةٌ, فَالشَّيْءُ أَبَدًا مَوْصُوفٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَا شَيْءٌ يُوصَفُ بِلَا حَدٍّ وَلَا غَايَةٍ. وَقَوْلُكَ: لَا حَدَّ لَهُ يَعْنِي: أَنَّهُ لَا شَيْءٌ.

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَالله تَعَالَى لَهُ حَدٌّ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُه، وَلَا يجوزُ لأَحَدٍ أَن يتَوَهَّم لحدِّه غايةً فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنْ يُؤْمِنُ بِالحَدِّ ويَكِلُ عِلْمَ ذَلِكَ إِلَى اللهِ، ولِمَكَانِهِ أَيْضًا حَدٌّ، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، فَهَذَانِ حَدَّانِ اثْنَانِ.

وَسُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ: بِمَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: «بِأَنَّهُ عَلَى العَرْشِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ. قِيلَ: بِحَدٍّ؟ قَالَ: بِحَدّ».

(28) حدّثنَاهُ الحَسَنُ بْنُ الصَّباح البَزَّارُ، عَنْ عَلِيُّ بْنُ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ (?).

فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ للهِ حَدٌّ فَقَدْ رَدَّ القُرْآنَ، وَادَّعَى أَنَّهُ لَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الله حَدَّ مَكَانَهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015