ثُمَّ عَارَضَ المُعَارِضُ أَيْضًا أَشْيَاءَ مِنْ صِفَاتِ الله تَعَالَى الَّتِي هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الله، وَنَازَعَ فِي الآيَاتِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيهَا لِيُغَالِطَ النَّاسَ فِي تَفْسِيرِهَا؛ فذكر منها: الحُبَّ وَالبُغْضَ، وَالغَضَبَ، وَالرِّضَا وَالفَرَحَ، وَالكُرْهَ، وَالعَجَبَ، وَالسَّخَطَ، وَالإِرَادَةَ، وَالمَشِيئَةَ، ليُدْخِلَ عَلَيْهَا مِنَ الأُغْلُوطَاتِ مَا أَدْخَلَ عَلَى غَيْرِهَا مِمَّا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَمْسَكَ عَنِ الكَلَامِ فِيهَا بَعْدَمَا خَلَطَهَا بِتِلْكَ، فَحِينَ أَمْسَكَ المُعَارِضُ عَنِ الكَلَامِ فِيهَا؛ أَمْسَكْنَا عَنْ جَوَابِهِ، وَرَوَيْنَا مَا رُوي فِيهَا عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ أُغْلُوطَاتِهِ، فَإِلَى اللهِ نَشْكُوا قَوْمًا هَذَا رَأْيُهُمْ فِي خَالِقِنَا وَمَذْهَبُهُمْ فِي إِلَهِنَا.
مَعَ أَنَّهُ عَزَّ وَجْهُهُ، وَجَلَّ ذِكْرُهُ قَدْ حَقَّقَهَا فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ، قَبْلَ أَنْ يَنْفِيَهَا عَنْهُ المُبْطِلُونَ، وَكَذَّبَهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ قَبْلَ أَنْ يَدَّعُوهُ، وَعَابَهُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْكُوهُ، ثُمَّ رَسُولُهُ المُجْتَبَى، وَصَفِيُّهُ المُصْطَفَى، فَاسْتَغْنَيْنَا فِيهِ بِمَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ مِنْهَا وَسَطَّرَ (?)، وَسَنَّ رَسُولُهُ المُصْطَفَى وَأَخْبَرَ، وَرَدَّدَ مِنْ ذِكْرِهَا وَكَرَّرَ، فَمَنْ يَكْتَرِثُ لِضَلَالَتِهِمْ بَعْدَ قَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: 4]، أَمْ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة: 222]، {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، فَجَمَعَ بَيْنَ الحُبَّيْنِ: حُبِّ الخَالِقِ وَحُبِّ المَخْلُوقِ، مُتَقَارِنَيْنِ.
ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ مَا يُحِبُّ وَبين مَا لَا يُحِبُّ، لِيَعْلَمَ خَلْقُهُ أَنَّهُمَا مُتَضَادَّانِ غَيْرُ مُتَّفِقَيْنِ، فَقَالَ: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: 148]، و {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]، وَقَالَ تَعَالَى: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 80]. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ سَخَطِهِ