أَوَلَيْسَ كُلُّ مَا ضَمَّنْتَ هَذَا الكِتَابَ مِنْ هَذِه العَمَايَات خَوْضٌ كُلَّهُ؟ فَإِنَّا مَا رَأَيْنَا خَائِضًا فِيهِ أَقْبَحَ مِنْكَ خَوْضًا، وَأَوْحَشَ مِنْكَ تَأْوِيلًا وَأَقَلَّ مِنْكَ إِصَابَةً، فَمِثْلُكَ فِي وَعْظِكَ كَالَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفَسَهُمْ.
وَأَمَّا قَوْلُكَ: لَا يَتْرُكُونَ مَنْ عَرَفَ وُجُوهَ الكَلَامِ مَا ضَمَّنْتَ هَذَا الكَلَامَ (?) عَنْ نَفْسِكَ وَعِنْ إِمَامِكَ المَرِيسِيِّ وَالثَّلْجِيِّ، فَقَدِ انْقَلَبَتْ لُغَاتُ العَرَب، فَصَارَ المُنْكَرُ مِنْهَا مَعْرُوفًا وَالمَعْرُوفُ مُنْكَرًا، وَالعَرَبِيُّ عَجَمِيًّا، وَالعَجَمِيُّ عَرَبِيًّا؛ لِأَنَّ تَفَاسِيرَكُمْ هَذِهِ كُلَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلُغَاتِهِمْ، وَلِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
مَنْ أَئِمَّتُكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَنْسبُهُمْ إِلَى مَعْرِفَةِ وُجُوهِ الكَلَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لِمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوا لِأَهْلِ السُّنَّةِ حُجَّةً مِنْ كِتَابِ الله عَلَى الجَهْمِيَّةِ وَالزَّنَادِقَةِ إِلَّا نَقَضُوهَا بِخُرَافَاتٍ وَعَمَايَاتٍ، وَلَا تَرَكُوا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثًا صَحِيحًا نَاقِضًا لِمَذْهَبِهِمْ إِلَّا وردُّوهُ بِتِلْكَ العَمَايَات.
لَقَدْ تَرَكُوا مَعْرِفَةَ كِتَابِ الله وَالسُّنَّةِ شَرْقًا (?) ومَغْرِبًا مِثْلَ انْتِحَالِكَ لِهَؤُلَاءِ بِحُسْنِ الكَلَامِ مِمَّا يُوَافِقُ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، كَمَا قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْط كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُوُر» (?)؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْتَوْا فِيهَا مِنَ البَصَرِ إِلَّا خِلَافَ مَا مَضَى عَلَيْهِ أَسْلَافُ المُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ البَصَرِ، فَإِنْ جَحَدْتَهُ فَهَاهُنَا رِوَايَاتُهُمْ وَتَفَاسِيرُهُمْ إِذَا نَظَرَ فِيهَا [62/ظ] النَّاظِرُ؛ اسْتَيْقَنَ بِضَلَالِ تَفْسِيرِكُمْ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى قِلَّةِ عِلْمِكُمْ بِالمُسْتَحَالَاتِ مِنْهَا، فَمَا تَدْرِي أَيُّ زُعَمَائِكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُبْصِرُونَ وُجُوهَ الكَلَامِ؟ فَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَكَيْتَ عَنْهُمْ هَذِهِ العَمَايَاتِ،