(189) حَدَّثَنَاه مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:

«آَخِرُ رَجُلٍ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يَمْشِي يَكْبُو عَلَى الصِّرَاطِ وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا جَاوَزَهَا التَفَتَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي أَنْجَانِي مِنْكِ، فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ فَيَقُولُ: [57/و] يَا رَبِّ ادْنُنِي مِنْهَا، فَيُدْنِيَهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَتَسْتَهْزِئُ بي وَأَنْتَ ربُّ العَالَمِينَ؟ فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَسْأَلُنِي مِمَّ ضَحِكْتُ؟ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: أَلا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ؟ فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ؟ فَقَالَ: مِنْ ضَحِكِ ربِّ العَالَمِينَ مِنْهُ حِينَ يَقُولُ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي، فَيَقُولُ اللهُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ، فَيُدْخِلُهُ الجَنَّةَ» (?).

أَفَلَا تَسْمَعُ أَيُّهَا المُعَارِضُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مِنْ ضَحِكِ رَبِّ العَالَمِينَ مِنْهُ»، أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ ضَحِكَ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ للزَّرْع: يَضْحَكُ، وَلَا يُقالُ يَضْحَكُ مِنْ أَحَدٍ وَلَا مِنْ أَجْلِ أَحَدٍ، وإنِّا لَمْ نَجْهَلْ مَجَازَ هَذَا فِي العَرَبِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ، فَقَدْ سَمِعْنَا قَوْلَ الأَعْشَى وَفَهِمْنَا مَعْنَاهُ، وَهُوَ مِنْ مَعْنَى ضَحِكِ الرَّبِّ بَعِيدٌ، إِذْ يَقُولُ:

مَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةٌ ... خَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ

يُضَاحِكُ الشَّمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شَرِقٌ ... مُؤْزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ

فَالزَّرْعُ مَا دَامَ أَخْضَرَ، فَهُوَ مُضَاحِكُ الشَّمْسِ أَبَدًا، لَا يخصُّ بِضَحِكِهِ أَحَدًا وَلَا يَصْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ، وَالله يَضْحَكُ إِلَى قَوْمٍ، وَيَصْرِفُهُ عَنْ آخَرِينَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015