خَرَجَ ذُو الشِّمَالَيْنِ مِنْ مَعْنَى أَصْحَابِ الأَيْدِي.
ثُمَّ ادَّعى الجَاهِلُ أَنَّ هَذَا مِنَ النِّعَمِ وَالأَفْضَالِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
سَأَبْكِيكَ لِلدُّنْيَا وَلِلْعَيْنِ إِنَّنِي ... رَأَيْتُ يَدَ المَعْرُوفِ بَعْدَكَ شُلَّتِ
وَيْلَكَ أَيُّهَا الثَّلْجِيُّ!، أَتُعَلِّمُ بِوَجْه العَرَبيَّة ولُغَاتِ العَرَبِ وَأَشْعَارِهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بهَا مِنْك؟
هَذَا هَاهُنَا فِي المَعْرُوفِ جَائِزٌ فِي المَجَازِ، لَا يَسْتَحِيلُ، وَفِي يَدَيِ الله تَعَالَى [50/ظ] اللَّتَيْنِ يَقُولُ: «خَلَقْتُ بِهِمَا آدَمَ» يَسْتَحِيلُ أَنْ يُصْرَفَ إِلَى غَيْرِ اليَدِ؛ لِأَنَّ المَعْرُوفَ لَيْسَ لَهُ يَدَانِ، يَقْبِضُ بِهِمَا وَيَبْسُطُ، وَيَخْلُقُ وَيَبْطِشُ، فَيُقَالُ: يَدُ المَعْرُوفِ مَثلًا، وَلَا يُقَالُ: فَعَلَ المَعْرُوفُ بِيَدَيْهِ كَذَا، وَخَلَقَ بِيَدَيْهِ كَذَا، وَكَتَبَ بِيَدَيْهِ كَذَا، كَمَا يُقَالُ: خَلَقَ اللهُ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، ذَاك فِي سِيَاقِ القَوْلِ بَيِّنٌ مَعْقُولٌ، وَهَذَا فِي سِيَاقِ القَوْلِ بَيِّنٌ مَعْقُولٌ، مَنْ صَرَفَ مِنْهُمَا شَيْئًا إِلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ المَعْقُولِ جَهِلَ وَلم يَعْقِلْ.
أَوَ لم يَكْفِكَ أَيُّهَا المُعَارِضُ كَثْرَةُ مَا نَسَبْتَ إِلَى اللهِ، وَإِمَامُكَ المَرِيسِيُّ فِي نَفْيِ اليَدَيْنِ عَنْهُ بِهَذِهِ الأُغْلُوطَاتِ؟ وَمَا حَسَدتُما أَبَاكُمَا آدمَ فِي خِلْقَتِهِ بِيَدَيِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي صَدْرِ كِتَابِكَ حَتَّى عُدْتَ لِأَقْبَحَ مِنْهَا فِي آخِرِ الكِتَابِ، فَادَّعَيْتَ أَنَّ يَدَيِ اللهِ اللَّتَيْنِ خَلَقَ بِهِمَا آدَمَ: نِعْمَتُهُ وَقُدْرَتُهُ، فَامْتَنَّ عَلَى آدَمَ بِمَا رَكَّبَ فِيهِ.
وَيْحَكَ! وَهَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ لم يَخْلُقْهُ بِقُدْرَتِهِ، حَتَّى يَمْتَنَّ عَلَى آدَمَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ مِنْ بَيْنِ الخَلَائِقِ؟ هَذَا مُحَالٌ لَا يَسْتَقِيمُ فِي تَأْوِيلٍ، بَلْ هُوَ أَبْطَلُ الأَبَاطِيلِ.
وَأَشَدُّ مِنْهُ اسْتِحَالَةً؛ مَا ادَّعَيْتَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ: «إِنَّ الله خَمَّرَ طِينَةَ