فَقُلْتَ كَالمُنْكِرِ لِهَذَا -تَعَالَى اللهُ عَمَّا نَحَلَهُ المُبْطِلُونَ-: بِأَنَّ ذَلِكَ نَفَسٌ يَخْرُجُ مِنْ جَوْفٍ.
فَمِمَّنْ سَمِعْتَ أَيُّهَا المُعَارِضُ أَنَّ هَذَا نَفَسٌ يَخْرُجُ من جَوف الله تَعَالَى؟
وَهَذَا الحَدِيثُ مَعْرُوفٌ مَعْقُولُ المَعْنَى، جَهِلْتَ مَعْنَاهُ، فَصَرَفْتَهُ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ نَرَ أَحَدًا يَقُولُهُ، أَوْ يَذْهَبُ إِلَيْهِ، إِنَّمَا فَسَّرَهُ العُلَمَاءُ عَلَى الرَّوْحِ الَّذِي يَأْتِي بِهَا الرِّيحُ مِنْ نَحْوِ اليَمَنِ، لِأَنَّ مَهَبَّ الرِّيحِ مِنْ هُنَاكَ عِنْدِهِمْ، فأمَّا أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ: هُوَ نَفَسٌ يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِ الرَّحْمَنِ، فَمَا سَمِعْنَا أَحَدًا يَقُولُهُ قَبْلَكَ، وَأَدْنَى مَا عَلَيْك فِيهِ الكَذِبِ أَنْ تَرْمِيَ قَوْمًا مُشَنِّعًا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُثْبِتَهُ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «الإِيمَانُ يَمَانٌ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ»: أَيْ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ قِبَلِ مَكَّة (?).
وادّعَى المُعَارِضُ أَيْضًا أنَّ المُقْرِئَ، حَدَّثَ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنَ عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَرَأَ {سَمِيعًا بَصِيرًا}، فَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ (?).
وقَدْ عَرَفْنَا هَذَا مِنْ رِوَايَةِ المُقْرِئِ، وغَيْرِهِ كَمَا رَوَى المُعَارِضُ غَيْرَ أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَ كَتَبَةِ الحَدِيثِ ثَبَّتُوا بِهِ بَصَرًا بِعَيْنٍ كَعَيْن، وسَمْعًا بِسَمْعٍ جَارِحًا مُرَكَّبًا.
فَيُقَالُ لَهذَا المُعَارِض أَمَّا دَعْوَاكَ عَلَيْهِم أَنَّهُم ثَبَّتُوا لَهُ سَمْعًا، وبَصَرًا؛ فَقَدْ صَدَقْتَ.
وَأَمَّا دَعْوَاكَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ كَعَيْنٍ، وكَسَمْعٍ فَإِنَّهُ كَذِبٌ ادَّعيتَهُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَلَا كَصِفَاتِهِ صِفَةٌ.