فَقَالَ مُعْجَبًا بِسُؤَالِهِ: سَأَلتُ بِشْرَ بْنَ غِيَاثٍ عَن التَّقْلِيد فِي العِلْمِ، فَقَالَ: حَرَامٌ مُحَرَّمٌ لِلْعُلَمَاءِ، حَتَّى يَعْرِفَ هَذَا العَالِمُ أَصْلَهُ، وَمَعْرِفَتَهُ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا التَّقْلِيدُ لِلْجُهَّالِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ.
وَافْتَخَرَ المُعَارِضُ بِسُؤَالِ بِشْرٍ عَنْ هَذَا كَأَنَّهُ سَأَلَ عَنْهَا الحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَ عَنْهَا جَهْمِيًّا جَاهِلًا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، إِنْ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ خَطَؤُهُ، وَإِنْ أَصَابَ لَمْ يُلْتَفَتْ لِإِصَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ المَأْبُونُ فِي دِينِ الله المُتَّهَمُ عَلَى كِتَابِ الله، الطَّاعِنُ في سُنَّةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَكَيْفَ تَسْتَفْتِي المَرِيسِيَّ، وَقَدْ رَوَيْتَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّهُ هَمَّ بِأَخْذِهِ، وَتَنْكِيلِهِ فِي هَذِهِ الضَّلَالَاتِ، حَتَّى فَرَّ مِنْهُ إِلَى البَصْرَةِ؟
فَإِنْ يَكُنْ مَا قَالَ بِشْرٌ حَقًّا فَبُؤْسًا لَكَ ولأَصْحَابِكَ الَّذينَ قَلَّدْتُمْ دِينَكُمْ أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ الحَسَنِ فِي أَكْثَرِ مَا تُفْتُونَ مِمَّا لَا تَقَعُونَ مِنْ أَكْثَرِهِ عَلَى كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ.
غَيْرَ أنَّا نَقُولُ: إِنَّ عَلَى العَالِمِ بِاخْتِلَافِ العُلَمَاءِ، أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَفْحَصَ عَنْ أَصْلِ المَسْأَلَةِ، حَتَّى يَعْقِلَهَا بِجَهْدِهِ مَا أَطَاقَ، فَإِذَا أَعْيَاهُ أَنْ يَعْقِلَهَا مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَرَأْيُ مَنْ قَبْلَهَ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ رَأْيِ نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: «أَلَا لَا يُقَلِّدَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ دِينَهُ رَجُلًا، إِنْ آمَنَ آمَنَ وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ، فَإِنْ كُنْتُم لَابُدَّ فَاعِلِينَ، فَالأَمْوَاتَ، فَإِنَّ الحَيَّ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ الفِتْنَةُ» (?).
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا: «مَنْ عُرِضَ لَهُ مِنْكُمْ قَضَاءٌ، فَلْيَقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ الله، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي كِتَابِ الله، فَفِي سُنَّةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ الله، فَفِيمَا