وَقَوْلَهُ: «طَلْبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» (?)، وَقَوْلَهُ: «مَا سَلَكَ رجلٌ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهَا عِلْمًا إِلَّا سهَّل اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ» (?)، وَقَوْلَهُ: «إِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ؛ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ» (?).

وَهِيَ هَذِهِ الآثَارُ، وَهِيَ أُصُولُ الدِّينِ وَفُرُوعُهُ بَعْدَ القُرْآنِ، فَمَنْ سَمِعَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الَّتِي حضَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى طَلَبِهَا وَإِبْلَاغِهَا وَأَدَائِهَا إِلَى مَنْ يَسْمَعُهَا عَلِمَ يَقِينًا أَنَّ مَا حكيت عَن سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ وَابْنِ المُبَارَكِ عَلَى خِلَافِ مَا تَأَوَّلْتَهُ.

وَيْحَكَ! إِنَّمَا قَالَ القَوْمُ هَذَا تَخَوُّفًا عَلَى أَنْفِسِهِمْ أَنْ يَكُونُوا قَدْ أُوتُوا مِنْهُ الكَثِيرَ فَلَمْ يُوَفَّقُوا لِاتِّبَاعِهِ كَمَا يَجِبُ، وَلَمْ يَتَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ العُلَمَاءِ الصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ؛ مِنَ السَّكِينَةِ وَالوَقَارِ وَالوَرَعِ وَالعِبَادَةِ، وَلَمْ يَتَأَدَّبُوا بِأَحْسَنِ آدَابِهِمْ.

فَقَدْ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى يَقُولُ: قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: «طَلَبْنَا العِلْمَ فَأَصَبْنَا مِنْهُ شَيْئًا، فَطَلَبْنَا الأَدَبَ فَإِذَا أَهْلُهُ قَدْ مَاتُوا».

وَكَمَا قَالَ الشَّعْبِيُّ: «زَيَّنَ العِلْمَ حِلْمُ أَهْلِهِ».

وَكَمَا قَالَ ابْن سِيرِين: «ذهب العِلْمُ وَبَقِيَ مِنْهُ غُبَّرَاتٌ فِي أَوْعِيَةِ سُوءٍ».

وَكَانَ تَخَوُّفُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالحِكَايَاتِ الَّتِي حَكَيْتَهَا عَنْهُمْ، أنهم عَسَى أَنْ لَمْ يُرْزَقُوا هَذِهِ الآدَابَ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ العِلْمُ، حَتَّى يَخْلُصَ لِوَجْهِ الله تَعَالَى، فكَانَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015