وَهَذَا المَعْنَى أَوْضَحُ مِنَ الشَّمْسِ، قَدْ عَلِمْتُمُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ الله لَكِنْ تُغَالِطُونَ وَتُدَلِّسُونَ، وَعَلَيْكُمْ أَوْزَارُكُمْ وَأَوْزَارُ مَنْ تُضِلُّونَ.

ثُمَّ أَكَّدَ المُعَارِضُ دَعْوَاهُ فِي أَنَّ اللهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِقِيَاسٍ ضَلَّ بِهِ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل.

فَقَالَ: أَلا ترى أَن مَنْ صَعَدَ الجَبَلَ لَا يُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى اللهِ تَعَالى.

فَيُقَالُ لِهَذَا المُعَارِضِ المُدَّعِي مَا لَا عِلْمَ لَهُ: مَنْ أَنْبَأَكَ أَنَّ رَأْسَ الجَبَلِ لَيْسَ بِأَقْرَبَ إِلَى الله تَعَالَى مِنْ أَسْفَلِهِ؟ لِأَنَّهُ مَنْ آمَنَ بِأَنَّ اللهَ فَوْقَ عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّ رَأْسَ الجَبَلِ أَقْرَبُ إِلَى الله مِنْ أَسْفَلِهِ، وَأَنَّ السَّمَاءَ السَّابِعَةَ أَقْرَبُ إِلَى عَرْشِ الله تَعَالَى مِنَ السَّادِسَةِ، وَالسَّادِسَةَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ الخَامِسَةِ، ثُمَّ كَذَلِكَ إِلَى الأَرْضِ.

كَذَلِكَ رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: «رَأْسُ المَنَارَةِ أَقْرَبُ إِلَى الله مِنْ أَسْفَلِهِ».

وَصَدَقَ ابْنُ المُبَارَكِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ إِلَى السَّمَاءِ أَقْرَبُ؛ كَانَ إِلَى اللهِ أَقْرَب. وَقُرْبُ اللهِ إِلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ أَقْصَاهُم وأَدْنَاهُم وَاحِد، لَا يَبْعُدُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَبَعْضُ الخَلْقِ أَقْرَبُ مِنْ بَعْضٍ عَلَى نَحْوِ مَا فَسَّرْنَا مِنْ أَمْرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَكَذَلِكَ قُرْبُ المَلَائِكَةِ مِنَ الله، فَحَمَلَةُ العَرْشِ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ المَلَائِكَةِ الَّذِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَالعَرْشُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَقُرْبُ الله إِلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَاحِدٌ.

هَذَا مَعْقُولٌ مَفْهُومٌ إِلَّا عِنْدَ مَنْ لَا يُؤْمِنُ أَنَّ فَوْقَ العَرْشِ إِلَهًا؛ وَلِذَلِكَ سَمَّى المَلَائِكَةَ المُقَرَّبِون وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)} [الأعراف: 206]، [33/و] فَلَوْ كَانَ اللهُ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015