وَصَرَّحْتَ أَيْضًا بِمَذْهَبٍ كَبِيرٍ فَاحِشٍ مِنْ قَوْلِ الجَهْمِيَّةِ فَقُلْتَ: إِذَا قَالُوا لَنَا: أَيْنَ الله؟ فَإِنَّا لَا نَقُولُ بِالأَيْنِيَّةِ بِحُلُولِ المَكَانِ، إِذا قِيلَ: أَيْنَ هُوَ؟ قِيلَ: عَلَى العَرْشِ وَفِي السَّمَاءِ.

فَيُقَالُ لَكَ، [31/و] أَيُّهَا المُعَارِضُ: مَا أَبْقَيْتَ غَايَةً فِي نَفْي اسْتِوَاءِ اللهِ عَلَى

العَرْشِ وَاسْتِوَائِهِ إِلَى السَّمَاءِ، إِذْ قُلْتَ: لَا نَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى العَرْشِ وَفِي السَّمَاءِ بِالأَيْنِيَّةِ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ إِلَهَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، فَإِنَّمَا يَعْبُدُ غَيْرَ الله، وَيَقْصِدُ بِعِبَادَتِهِ إِلَى إِلَهٍ فِي الأَرْضِ، وَمَنْ قَصَدَ بِعِبَادَتِهِ إِلَى إِلَهٍ فِي الأَرْضِ كَانَ كَعَابِدِ وَثَنٍ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَنَ عَلَى العَرْشِ، وَالأَوْثَانُ فِي الأَرْضِ، كَمَا قَالَ لِجِبْرِيلَ {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)} [التكوير: 20 - 21]، فَفِي قَوْلِهِ «ثَمَّ» دَلِيلٌ عَلَى البَيْنُونَةِ وَالحَدِّ بِقَوْلِهِ: «ثَمَّ» لَا هَاهُنَا فِي الكُنفِ وَالمَرَاحِيضِ كَمَا ادَّعَيْتُمْ.

وَإِنْ أَبَيْتَ أَيُّهَا المُعَارِضُ أَنْ تُؤَيِّنَ اللهَ تَعَالَى وَتُقِرَّ بِهِ أَنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، دُونَ مَا سِوَاهُ، فَلَا ضَيْرَ عَلَى مَنْ أَيَّنَهُ؛ إِذْ رَسُولُهُ وَنَبِيُّهُ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ قَدْ أَيَّنَهُ فَقَالَ لِلْأَمَةِ السَّوْدَاءِ: «أَيْنَ الله؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ قَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ». وَكَذَلِكَ أَيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَلِيلُهُ إِبْرَاهِيمُ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ.

(115) حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ الرِّفَاعِيُّ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:

«لمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ قَالَ: اللهمَّ إِنَّكَ فِي السَّمَاءِ وَاحِدٌ، وَأَنَا فِي الأَرْض وَاحِد أَعْبُدُكَ» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015