العَرْشَ غَيْرُ مَا سِوَاهُ مِنَ الخَلْقِ، إِذْ كَانَ مَخْلُوقًا عَلَى المَاءِ قَبْلَ الخَلْقِ، فَفِي أَيِّ كَلَامِ العَرَبِ، وَجَدْتَ هَذَا أَيُّهَا المُعَارِضُ: أَنَّ العَرْشَ أَعْلَى الخَلْقِ فَبَيِّنْهُ لَنَا، وَإِلَّا فَإِنَّكَ مِنَ المُبْطِلِينَ.
وَالله مُكَذِّبُكَ فِي كِتَابِهِ إِذْ يَقُولُ: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86)} [المؤمنون: 86]، فَمَيَّزَ اللهُ بَيْنَ أَعْلَى الخَلْقِ وَبَيْنَ العَرْشِ العَظِيمِ، وَجَعَلَهُ غَيْرَ السَّمَاوَات السَّبع فَمَا دونهَا.
وَمِمَّا يَزِيدُكَ تَكْذِيبًا قَوْلُهُ: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)} [البروج: 15]، و {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 116]، وَأَيُّ مَجْدٍ وَكَرَمٍ لِأَعْلَى الخَلْقِ مَا لَيْسَ لِأَوْسَطِهِ وَأَسْفَلِهِ؟ فَلِذَلِكَ قُلْنَا: إِنَّ تَأْوِيلَكَ هَذَا تَكْذِيبٌ بِالْعَرْشِ صُرَاحًا، وإِنْكَارُهُ نَصًّا.
وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّ اللهَ غَيْرُ مَحْوِيٍّ وَلَا مُلَازِقٍ وَلَا مُمَازِجٍ، فَهُوَ كَمَا ادَّعَيْتَ.
وَأَمَّا قَوْلُكَ: غَيْرُ بَائِنٍ بِاعْتِزَالٍ، [26/ظ] وَلَا بِفُرْجَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، فَقَدْ كَذَبْتَ فِيهِ وَضَلَلْتَ، عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، بَلْ هُوَ بِائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ فَوْقَ عَرْشِهِ بِفُرْجَةٍ بَيِّنَةٍ، وَالسَّمَاوَاتُ السَّبْعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي الأَرْضِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ مَا هُمْ عَامِلُونَ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ كَمَا أَنْبَأَنَا الله تَعَالَى وَرَسُولُهُ، وَأَصْحَابُ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وَأَمَّا قَوْلُكَ: كَجِسْمٍ عَلَى جِسْمٍ، فَإِنَّا لَا نَقُولُ: إِنَّهُ كَجِسْمٍ عَلَى جِسْمٍ. لَكِنَّا نَقُولُ: رَبٌّ عَظِيمٌ، وَمَلِكٌ كَبِيرٌ، نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَإِلَهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَلَى عَرْشٍ مَخْلُوقٍ عَظِيمٍ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَة دون مَا سواهَا مِنَ الأَمَاكِنِ، مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِذَلِكَ كَانَ كَافِرًا بِهِ وَبِعَرْشِهِ.
وَالأَنْوَارُ المَخْلُوقَةُ لَيْسَ مِنْهَا نُورٌ إِلَّا وَلَهُ ضَوْءٌ سَاطِعٌ، وَمَنْظَرٌ رائع فيكف النَّورُ الأَعْظَمُ خَالِقُ الأَنْوَارِ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ؟!
وَزَعَمْتَ أَيُّهَا المُعَارِضُ أَنَّ اللهَ لَمْ يَصِفْ نَفْسَهُ أَنَّهُ بِمَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ،