فَيُقَالُ لِهَذَا الثَّلْجِيِّ الغَوِيِّ: أَوَّلُ غِوَايَتِكَ سُؤَالُكَ المَرِيسِيِّ عَنْ تَفْسِيرِ العَرْشِ، إِذْ عَقِلَ أَمْرَهُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ.
وَيْلَكَ! أَمَا وَجَدْتَ شَيْخًا مِنْ أَهْلِ الإِسْلَامِ وَأَهْلِ العِلْمِ الَّذِينَ أَدْرَكْتَ أَجْوَدَ إِيمَانًا بِالعَرْشِ مِنْ بِشْرٍ وَأَحْسَنَ مَعْرِفَةً لَهُ حَتَّى تُنَاظِرَهُ فِيهِ مِنْ بَيْنِهِمْ؟ تَسْتَحْسِنُ تَفْسِيرَهُ وَتَرْوِيهِ لِأَهْلِ الغَفْلَةِ عَنْهُ، كيمَا يَعْتَقِدُونَهُ دِينًا، وَكَانَ أَكْفَرَ أَهْلِ زِمَانِهِ بِالعَرْشِ، وَأَشَدَهُّمْ لَهُ إِنْكَارًا مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الإِسْلَامَ، فَكْفِي بِهَذَا مِنْكَ دَلِيلًا وَظِنَّةً عَلَى الرِّيبَةِ أَنْ يَكُونَ المُخْتَارُ عِنْدَكَ من جَمِيع العُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ العَرْشِ بِشْرَ بْنَ غِيَاثٍ المَريسِي.
أَو مَا سَمِعْتَ بِبِشْرٍ وَسُوءِ مَذْهَبِهِ، وَافْتِضَاحِهِ فِي بَلَدِهِ، وَأَهْلِ مِصْرِهِ، وَأَنْتَ لَهُ جَارٌ قَرِيبٌ؟ وَلَكِنْ يَعْتَبِرُ بِالإِمَامِ المَأْمُوم، والصَّاحِبُ بالصَّاحِبِ.
أَو لم يَكْفِكَ أَيُّهَا الثَّلْجِيُّ مَا قَصَّ الله فِي كِتَابِهِ مِنْ ذِكْرِ العَرْشِ وَتَفْسِيرِهِ، وَمَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ الرَسُولِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ تَقْنَعْ بِهِمَا حَتَّى اضْطُرِرْتَ إِلَى مُنَاظَرَةِ المَرِيسِيِّ؟ وَالمُنَاظَرَةُ فِي العَرْشِ رِيبَةٌ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الإِيمَانَ بِهِ قَدْ خَلُصَ إِلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا فِقْهَ لَهُمْ وَلَا عِلْمَ، وَكَيْفَ [26/و] إِلَى مَنْ يَدَّعِي مَعْرِفَةَ العِلْمِ؟
فَأَمَّا إِذ أَبَيْتَ إِلَّا مُنَاظَرَتَهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ:
أَيُّهَا المَرِيسِيُّ، لَا يُقَالُ: إِنَّ اللهَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَخْلُوقٍ عَلَى مَخْلُوقٍ، وَلَكِن مَلِكٌ كَرِيمٌ خَالِقٌ غَيْرُ مَخْلُوقَ عَلَى عَرْشٍ عَظِيمٍ مَخْلُوقٍ جَسِيمٍ عَلَى رَغْمِكَ وَأَنْتَ مَلُومٌ، فَمَنْ لمن يُؤْمِنْ أَنَّهُ كَذَلِكَ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ، وَجَحَدَ آيَاتِ اللهِ، وَرَدَّ أَخْبَارَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
وَقَوْلُكَ: كَكَذَا عَلَى كَذَا، وَكَمَخْلُوقٍ عَلَى مَخْلُوقٍ، تَشْبِيهٌ وَدِلْسَة، وَكُلْفَةٌ لَمْ نُكَلَّفْ ذَلِكَ فِي دِينِنَا، وَلَكِنْ نَقُولُ كَمَا قَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)}