وَتُدْرَكُ مِنْهُ فِي المَعَادِ الرُّؤْيَةُ وَالكَلَامُ، وَالنَّظَرُ عَيَانًا، كَمَا قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَغْمِكَ، وَإِنْ كَرِهْتَ، قَالَ الله تَعَالَى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23]، {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} [آل عمران: 77]، فَهَلْ مِنْ حَوَاسٍّ أَعْظَمَ مِنَ الكَلَامِ وَالنَّظَرِ؟ غَيْرَ أَنَّكُمْ جَعَلْتُمُ الحَوَاسَّ كَلِمَةً أُغْلُوطَةً تُغَالِطُونَ بِهَا الصِّبْيَانَ وَالعُمْيَانَ؛ لِأَنَّ قَوْلَكُمْ: لَا تُدْرِكُهُ الحَوَاسُّ مَعْنَاهُ عِنْدَكُمْ: أَنَّهُ لَا شَيْءٌ؛ لِمَا قَدْ عَلِمْتُمْ وَجَمِيعُ العَالَمِينَ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يَقع عَلَيْهِ اسْمُ الشَّيءِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُدْرَكَ بِكُلِّ الحَوَاسِّ أَوْ بِبَعْضِهَا، وَأَنَّ لَا شَيْءَ لَا يُدْرَكُ بِشَيْءٍ مِنَ الحَوَاسِّ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الآخِرَةِ، فَجَعَلْتُمُوهُ لَا شَيْءَ. وَقَدْ كَذَّبَكُم اللهُ تَعَالَى في كِتَابِهِ فَقَالَ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، وقال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام: 19]، فَجَعَلَ نَفْسَهُ أَعْظَمَ الأَشْيَاءِ، وَأَكْبَرَ الأَشْيَاءِ، وَخَالِقَ الأَشْيَاءِ.
فَإِنْ أَنْكَرْتَ مَا قُلْنَا، وَلم تَعْقِلْهُ بِقَلْبِكَ؛ فَسَمِّ مِنَ الأَشْيَاءِ شَيْئًا - صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا- يَقَعُ عليه اسْمُ الشَّيْءِ لَا يُدْرَكُ بِشَيْءٍ مِنَ الحَوَاسِّ الخَمْسِ، غَيْرَ مَا ادَّعَيْتُمْ عَلَى الأَكْبَرِ الأَكْبَرِ، وَالأَعْظَمِ الأَعْظَمِ، وَالأَوْجَدِ الأَوْجدِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَال. فَجَعَلْتُمُ الخَلْقَ الفَانِيَ مَوْجُودًا، وَالقَيِّمَ الدَّائِمَ البَاقِيَ غَيْرَ مَوْجُودٍ، وَلَا يُدْرَكُ بِحَاسَّةٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. [25/ظ]
وَادَّعَيْتُمْ عَلَى غَيْرِكُمْ مِمَّنْ لَا يُكَيِّفُ التَّكْيِيفَ، وَعَلى مَنْ لَا يُشَبِّهُ التَّشْبِيه، وَأَنْتُم دَائِبُونَ تُكَيِّفُونَ، وَتُشَبِّهُونَ بِأَقْبَحِ الأَشْيَاءِ. وَأَبْطَلِ الأَمْثَالِ، فَمَرَّةً تُكَيِّفُهُ فَتُشَبِّهُهُ بِأَعْمَى، وَمَرَّةً بِأَقْطَعَ، فَكَانَ وَعْظُكَ هَذَا لِهَؤُلَاءِ كَقَوْلِ القَائِلِ: كَلِمَةُ حَقٍ يُبْتَغَى بِهَا بَاطِل.
وَالعَجَبُ مِنْ إِعْجَابِكَ بِهَذِهِ المَقْلُوبَات مِنْ تَفَاسِيرِكَ، وَالمُحَالَاتِ مِنْ شَرْحِكَ وَتَعْبِيرِكَ، حَتَّى رَوَيْتَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: «لِلْحَدِيثِ جَهَابِذَةٌ؛