والتقييد قد دخل في السبب. وقد حمل المطلق في الحديث الأول على المقيد في الثاني، فأريد من الإبل في الأول، السائمة أيضا1.

فالذي يظهر لي بوضوح في هذه الحالة أن الراجح هو حمل المطلق على المقيد. والله أعلم.

الحالة السادسة: أن يطلق في موضع ويقيد في موضعين بقيدين متضادين:

مثاله: قوله تعالى في قضاء صيام رمضان: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} 2 وقوله عز وجل في صوم التمتع: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} 3 وقوله تعالى في صوم كفارة الظهار: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} 4.

فقد ورد الصيام مطلقا في الآية الكريمة الأولى ومقيدا بالتفريق في الثانية ومقيدا بالتتابع في الثالثة والقيدان وهما التفريق والتتابع متضادان لا يجتمعان.

ففي مثل هذه الحالة ذهب العلماء القائلون بأن المطلق يحمل على المقيد وبتقييده به لفظا إلى أن المطلق يبقى على إطلاقه، ولا يحمل على أي واحد من المقيدين، لأنه لا يمكن حمله عليهما معا لما بينهما من المنافاة فلو حمل عليهما معا لزم اجتماع القيدين وهو ممتنع ولا يمكن حمله على أحدهما دون الآخر لأن نسبة المطلق إلى كل واحد منهما سواء لنسبته إلى الآخر، فترجيح أحدهما بحمل المطلق عليه على الآخر يكون ترجيحا بلا مرجح، وذلك تحكم وهو باطل فتعين أن لا يحمل المطلق على أي واحد منهما، بل يبقى على إطلاقه، ويعمل بالإطلاق في محله ويعمل بكل قيد في محله.

وذهب العلماء القائلون بالحمل قياسا إلى أن المطلق يحمل على المقيد الذي يشترك معه في العلة ويكون القياس عليه أولى، لأن الجامع بينهما حينئذ يكون مرجحا، فلا يلزم التحكم عندئذ ومثاله: قوله تعالى في كفارة اليمن: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} 5مع آيتي كفارة الظهار وصوم التمتع السابقين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015