وبينوا وجه الاستدلال: بأن الآية الكريمة نهت عن السؤال عن الأشياء غير البادية والقيد بالنسبة للمطلق يعتبر منها لسكوت المطلق عنه، وحمل المطلق على المقيد رجوع إلى المقيد ليعرف منه حكم المطلق، وهذا الرجوع بمثابة سؤال عن شيء لم يبد، فيكون ارتكابا لما نهت عنه الآية فلا يجوز.

وبينوا أن مما يؤيد هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ذرونى ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " 1.

وأجيب عن هذا الاستدلال: بأن الأشياء المنهي عن السؤال عنها لا تنتظم القيد في سلكها، والنهى الوارد فيها لا يمس الرجوع إلى المقيد بالمنع، لأنه في السؤال عن تقييد الحكم ابتداء من غير أن يكون هناك مقيد، يدل على ذلك ما ذكر في سبب نزول الآية الكريمة، وورود الحديث الشريف من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: "يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" قال رجل: "أكل عام يا رسول الله؟ " فسكت حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله لا: "لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم". ثم قال: الحديث المذكور" وقد ذكرت هذه الحادثة سببا لنزول الآية2.

وأما الرجوع إلى المقيد ليعرف منه حكم المطلق، فقالوا: إنه من التفقه في الدين المندرج ضمن ما أمر به في قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 3.

2 - قالوا: لو حمل المطلق على المقيد مطلقا في هذه الصورة لزم التضييق من غير أمر الشارع، والعدول عن التزام ما جاء عن الشارع، وكل منهما لا يجوز.

بيان ذلك - أن المطلق فيه توسعة على المكلف إذ يقتضي خروجه عن العهدة بالإتيان بالفرد الذي توفر فيه القيد المذكور في المقيد، وبالإتيان بالفرد الذي انتفى عنه ذلك القيد، إذ المطلق يتأتى بكل واحد منهما، فإلزامه بالفرد المقيد وذلك بحمل المطلق على المقيد يكون تضييقا.

ثم إن كلا من المطلق والمقيد حجة قائمة بذاتها والأصل التزام ما جاء عن الشارع في دلالات ألفاظه على الأحكام كما هو إذا لم يدل دليل على العدول عنه وهذا الالتزام يقتضي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015