ا - أن القرآن كالكلمة الواحدة فلا يختلف بالإِطلاق والتقييد، بل يفسر بعضه بعضا فيجب حمل المطلق على المقيد لتحقيق وحدة الكلمة، إذ إبقاء المطلق على إطلاقه، والمقيد على تقييده يؤدي إلى اختلافه وإخراجه عن كونه كلاما واحدا. ولهذا فإن الشهادة لما قيدت بالعدالة مرة واحدة. وأطلقت في سائر الصور حمل المطلق على المقيد، وأصبحت العدالة شرطا في الشهادة1.

فإذا نص على تقييد شيء بقيد في صورة ما كان منصوصا على تقييده به في سائر الصور.

وقد اعترض على هذا الدليل بأن كون القرآن الكريم كالكلمة الواحدة لا يستلزم حمل المطلق على المقيد مطلقا؛ لأن معنى كونه كلاما واحدا يفسر بعضه بعضا أنه لا يتناقض فلا يناقض بعضه بعضا، وإلا فلو أريدت الوحدة في كل شيء لزم أن يتقيد كل مطلق بكل مقيد، وليس الأمر كذلك، فإن من جملة ذلك المطلق والمقيد اللذين اختلف حكمهما وسببهما وقد بينا فيما سبق اتفاق العلماء ومنهم المستدلون بهذا الدليل - على عدم حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الحالة ثم إن الاختلاف بالإطلاق والتقييد لا ينافي وحدة الكلام.

لأن ذلك حسب اختلاف تعلقاته، واختلاف التعلقات لابد منه نظرا لاختلاف المتعلقات، وهذا الاختلاف لا يؤدي إلى التناقض الذي يقدح في وحدة الكلام.

ثم إن هذا الدليل - لو تم - ينفي النسخ مطلقا لأن الناسخ يختلف عن المنسوخ، ونفي الاختلاف عموما يؤدي إلى نفي النسخ في ضمنه ونفي النسخ مطلقا باطل، لأن وجوده من المسلمات. فيكون الدليل على عمومه غير مسلم.

أضف إلى ذلك أن الكلام إذا كان عبارة عن العبارات والألفاظ الدالة على المعاني فإنها لا خفاء في تكثرها وتعددها، ولاشك في اختلافها وكذلك القرآن فيه الأحكام المختلفة، ففيه المنفى والإثبات والأمر والنهى، وغيرها فمع العلم بهذا لا يقبل تنزيل جهات الخطاب على حكم واحد2.

وأما بالنسبة لتقييد الشهادة بالعدالة في سائر الصور التي أطلقت فيها فإن ذلك التقييد كان لدليل قام عليه وهو قوله سبحانه وتعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} 3حيث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015