ففي مثل هذه الحالة اتفق العلماء دون خلاف يعتد به على أنه لا يحمل المطلق على المقيد، بل يبقى المطلق على إطلاقه إلا إذا قيده دليل آخر غير هذا المقيد ويبقى المقيد على تقيده ما لم يطلقه دليل آخر غير هذا المطلق.
ولعل دليل العلماء على عدم الحمل في هذه الحالة هو نفس ما استدلوا به على عدم الحمل في الحالة السابقة من نفي المنافاة بين المطلق والمقيد نظرا لاختلاف حكمهما، وكون الحمل حينئذ حملا بلاَ دليل. ونظرا إلى أن السبب وهو القيام إلى الصلاة وإرادتها يوجب الغسل في حالة وجدان الماء والقدرة على استعماله، وأنه يوجب المسح في حالة عدم وجدان الماء، أو عدم القدرة على استعماله، والحالتان مختلفتان، فإنه لا مجال للقول بأن عدم الحمل يؤدى إلى إيجاب السبب الواحد للمتنافيين وهو الإطلاق والتقييد، لأن امتناع إيجاب السبب للمتنافيين مقيد بكونه في وقت واحد وحالة واحدة أما عند اختلاف الحالات كما هنا فلا امتناع من ذلك. نظرا إلى أن السبب وإن اتحد في حد ذاته إلا أنه يختلف باعتبار حالته. هذا وإذا كانت هذه القاعدة تقتضي بقاء الأيدي في آية التيمم على إطلاقها فإن ذلك إنما هو بالنسبة إلى آية الوضع نظرا لاختلاف حكمهما، أما تقييدها بأدلة أخرى غير آية الوضوء فإنه لا مانع من ذلك، ولهذا فإن المذاهب المتفقة على عدم تقييد آية التيمم بآية الوضوء قد قيد بعض منهم الأيدي في آية التيمم بالكفين بما صح عندهم من السنة وهو: ما رواه عمار بن ياسر1- رضي الله عنه - قال: "تمعكت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يكفيك الوجه والكفان " 2.
وقيدها البعض الآخر بالمرفقين وذلك بما صح عندهم من السنة وهو: "فضرب الحائط بيده ضربة فمسح بها وجهه، ثم ضرب أخرى فمسح بها ذراعيه إلى المرفقين " 3.
فكل من الفريقين قيد إطلاق آية التيمم بالسنة التي صحت عنه لا بآية الوضوء ذلك أن وضع آية التيمم مع السُنّة الشريفة المذكورة يختلف عن وضعها مع آية الوضوء الكريمة،