بعض العلماء أنهم خالفوا في حمل المطلق على المقيد وأنهم ذهبوا إلى حمل المقيد على المطلق وبينوا المقصود من حمل المقيد على المطلق بأن يراد من المقيد ما أريد بالمطلق ويلغى القيد، فبدل أن يكون المقيد بيانا للمطلق أيضا كما هو مذهب جمهور العلماء يكون المطلق هو البيان للمقيد ولا يعتبر القيد في المقيد أيضا.
واستدلوا على ذلك بأن المقيد جزئي للمطلق وفرد من أفراده، فذكر المقيد ذكر لجزئي من المطلق، فلا يقيده، كما أن ذكر فرد من أفراد العام لا يخصصه، والتقييد مثل التخصيص بجامع أن كلا منهما نقص للشيوع وقطع للحكم عن بعض الأفراد، فما لا يصلح أن يكون مخصصا لا يصلح أن يكون مقيدا أيضا.
وقد أجابوا عن هذا الدليل بأن قياس التقييد على التخصيص قياس مع الفارق وجه الفرق أن المذكور في المقيد قيد ومفهوم القيد حجة عند القائلين بمفهوم المخالفة لأن القيد صفة، ومفهوها حجة عند الجمهور، أما الفرد من أفراد العام فهو لقب غالبا ومفهوم اللقب ليس بحجة، فلا يقاس ما هو حجة على ما ليس بحجة، فلا يلزم من عدم التخصيص بذكر فرد من أفراد العام عدم التقييد بالمقيد.
ومع نقل هذا الخلاف فإن المحققين من العلماء على أنه لا خلاف يعتد به في حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة1.
الحالة الثانية: اختلاف الحكم والسبب:
مثاله قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 2 وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} 3.
فقد ورد لفظ الأيدي مطلقا في الآية الأولى. ورد مقيدا بكونها إلى المرافق في الثانية والحكم فيهما مختلف إذ هو في الآية الأولى وجوب القطع، وفي الثانية وجوب الغسل، كما أن السبب مختلف فيهما أيضا إذ هو في الأولى السرقة وفي الثانية القيام إلى الصلاة.
ففي مثل هذه الحالة اتفق العلماء على أنه لا يحمل المطلق على المقيد، بل يبقى المطلق على إطلاقه ويعمل به كذلك، والمقيد على تقيده، ويعمل به كذلك أيضا.