الاتجاه الثاني: النظر إليه من حيث الدلالة على الأفراد الموجودة في الخارج. فأصحاب الاتجاه الأول عرّفوا المطلق بأنه: (الدال على الماهية بلا قيد) 1 ومعنى هذا التعريف أن المطلق هو اللفظ الذي يدل على الحقيقة والماهية من حيث هي بلا اعتبار قيد من وحدة أو وصف أو شرط أو زمان أو مكان أو غيرها. مثل: رجل. فإنه لفظ يدل على حقيقة وماهية هي: الإنسان الذكر. ولم يعتبر في اللفظ قيد من القيود التي تقلل من شيوعه وانتشاره حيث لم يوصف الرجل بوصف ما، كما لم يشترط فيه أن يكون في زمان لا أو مكان ما أو غير ذلك من القيود.
ومما ينبغي ملاحظته أن المهم هو عدم اعتبار القيد في لفظ المطلق سواء وجد في الواقع ونفس الأمر ولكنه لم يعتبر في اللفظ أو لم يوجد. فعدم الاعتبار هو الذي يضفي على اللفظ صفة كونه مطلقاً، أما وجوده في نفس الأمر فليس بذي بال ولا ينفي كونه مطلقاً مادام لم يعتبر. ذلك أن الماهية إنما توجد بوجود جزئياتها، والجزئي عندما يوجد تصاحبه القيود، فمثلا عندما يوجد رجل لابد أن يكون في زمان ما ومكان ما ومتصفاً بصفة ما، فإذًا القيد وجد رغم كون اللفظ مطلقًا، ولكن هذه القيود أو واحداً منها مادام لم يعتبر في اللفظ فلا ضير حينئذ على كونه مطلقاً. فالماهية مأخوذة لا بشرط شيء، وبهذا الاعتبار تسمى مطلقاً2.
وأصحاب الاتجاه الثاني عرّفوه بأنه: هو المتناول لواحد لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه3. ومعنى هذا التعريف: أن المطلق هو اللفظ الذي يشمل فرداً واحداً غير معين بمعنى أن ذلك الفرد المتناول بالمطلق فرد منتشر شائع في جنسه، وشيوع المدلول في جنسه يعني كونه حصة محتملة لحصص كثيرة على سبيل البدل بمعنى أنها يمكن أن تصدق على كلِ حصة من تلك الحصصِ من غير أن تستغرقها وبلا تعيين. فمثلاً (رجل) لفظ يتناول شخصًا واحداً فليكن زيداً مثلاً، ولكن تناوله له ليس معناه أن ذلك الواحد تعين أن يكون مدلولا له، ولا يحتمل أن يصدق على غيره بل هو فرد منتشر في جنس الرجل، وحصة واحدة شائعة محتملة لحصص كثيرة كعمرو وبكر وسعيد وغيرهم ممن يشملهم جنس الرجل، فرجل يمكن أن يصدق على عمرو بدل زيد، وعلى بكر بدلهما، وعلى سعيد بدلهم، ولكنه عندما تصدق