وأما الثاني فبطلانه واضح من كون الدليل ورد ليعمل به، فإهماله بلا مقتض من نسخ وغيره نقض لما وضع عليه وهو باطل1. وإذا امتنع الأمران، تعين الثالث الذي هو كون الخاص المتقدم مخصصًا للعام حيث انحصرت احتمالات الحالة فيها.
وأجيب عن هذا الدليل:
أ - أن كون دلالة العام على مدلوله محتملة غير مسلم، بل دلت الأدلة على أنها قطعية، فالعام يتساوى مع الخاص من هذه الجهة، فلا بأس بانتساخ كل منهما بالآخر.
ب - على فرض تسليم كون دلالة العام محتملة، فإنها لا تمنع من نسخه الخاص، لأنه عام أيضاً مثل الناسخ وكونه خاصاً إنما هو بالإضافة إلى العام الذي يخصصه وليس خاصاً حقيقياً، إذ لا تخصيص في الشرع إلا بالعام. حسب ما دل على ذلك الاستقراء2، وحينئذ يكون كل من العام والخاص محتملاً، فيجوز انتساخ كل منهما بالآخر3.
أدلة الحنفية ومن معهم:
استدل الحنفية ومن معهم على نسخ الخاص المتقدم بالعام المتأخر وعدم تخصيصه به بما يلي:
1 - روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره"4، ولا شك أن العام المتأخر أحدث من الخاص المتقدم فيؤخذ بالعام، ومعنى الأخذ به انتساخ الخاص فيكون منسوخًا5.
وقد أجيب عن هذا الدليل:
بأن اتباع الأحدث فالأحدث والأخذ به يحمل على ما لا يقبل التخصيص كالخاص