انحصار المخاطبين في أهل مكة يحتاج إلى دليل ولم يأتوا به. بل المخاطب كل من يمكن أن تبلغه الآية سواء كان في مكة أو في غيرها، ولا نسلم أن كل ما عبدوه هو الأصنام فقط، فلم تكن الأصنام فقط هي الموصوفة بعبادة المخاطبين لها.

ثم إن دعوى كون (ما) في هذه الآية لغير العاقل فقط غير مسلمة، بل (إن) ما تطلق على من يعقل ويعلم أيضا، يدلّ على ذلك عدة أدلة منها ما يدل على إطلاقه على العاقل عامة ومنها ما يدل على إطلاقه على من يعقل في هذه الآية.

أما الأول: فمنه قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} 1 وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} 2 وقوله: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} 3 " فإن (ما) في هذه الآيات لمن يعلم4. ومن جهة أخرى فإن (ما) قد تطلق بمعنى "الذي" باتفاق أهل اللغة، ويصح إطلاق (الذي) على العاقل5.

وأما الثاني: فهو أن الإتيان بقيد (من دون الله) يدل على الحاجة إليه، وهذه الحاجة تنبعث من تناول (ما) لمن يعقل ويعلم، فأتى بهذا القيد لإخراج الله سبحانه وتعالى حيث كانت (ما) متناولة له عز وجل بعمومها.

فلو كانت مختصة بما لا يعقل لما احتيج إليه، ولما كان لها فائدة سوى التأكيد أما بناء على أن (ما) متناولة لما يعقل، تكون فائدة هذا القيد التأسيس، والتأسيس أولى من التأكيد، لأنه الأصل فحمل الكلام عليه أولى6.

ومن جهة ثانية فإن ابن الزبعري7 فهم تناول (ما) في هذه الآية لمن يعقل ولهذا بادر بسؤاله عن مصير عيسى وعزير والملائكة عليهم السلام، وهو من فصحاء العرب عارف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015