سبقت لهم من الله الحسنى، فلا تتناول مثل عيسى والملائكة عليهم السلام، ولا يدخلون في عمومها، فلا يتحقق الإخراج بالنسبة لهم لأنهم لم يدخلوا والإخراج فرع الدخول. ولهذا لا يكون قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ... } الآية إخراجاً لهم وتخصيصاً لعموم الآية الأولى. وإنما هو تأكيد لعدم دخولهم الذي علم سابقاً أو تأسيس لإِظهار بعدهم عنها فضلاً عن دخولهم فيها، لقطع تعنت المتعنتين.
ب - على فرض تسليم تناول الآية بعمومها لغير معبود المخاطبين أيضاً، فإنها لا تتناولهم أيضاً لأنهم عقلاء، و (ما) لغير العقلاء فلا تتناول من يعقل ويعلم وإذا لم تكن الآية متناولة لهم، فلا داعي إلى إخراجهم لعدم الحاجة إلى إخراج مالا دخول له.
وأما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ... } الآية فهو إما للتأكيد أو لبيان بعدهم عنها على النحو الذي ذكر.
ج - على فرض تسليم أن الآية تتناولهم فإن قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} لا يكون تخصيصا أيضاً لأنهم خصوا بالعقل، ذلك أن العقل يقضي بأن الجريمة إذا صدرت عن الغير لا تكون سبباً في تعذيب من لم يقترفها ولم يدع إليها ولم يرض بها. والمسيح والملائكة طبعاً لم يدعوا إلى عبادتهم لهم ولم يرضوا بها، فالعقل يخرجهم من عموم الآية الأولى فيكون هو المخصص، لا الآية الثانية. وإنما هي تأكيد لما حضر في عقولهم عند الخطاب بالآية الأولى. فالمخصص إذاً كان مقارنا للآية، ودعوى تأخره في خير المنع 1.
2 - قال الله تعالى: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِين} 2 فهذه الآية الكريمة عامة تعم من في القرية، المؤمنين وغيرهم، ولذلك قال إبراهيم عليه السلام للملائكة الذين قالوا له هذا الكلام الكريم: {إِنَّ فِيهَا لُوطاً} ، فبينوا بعد ذلك تخصيص عموم هذه الآية، وإخراج لوط ومن معه من المؤمنين بالقول الكريم: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَه} 3 ولم يكن هذا التخصيص إلا بعد سؤال إبراهيم عليه السلام4 فلو لم يكن التخصيص بالمتراخي جائزاً لما أخروه