العام، ونظراً لهذا الاشتراك والتشابه، قد يلتبس التخصيص بالنسخ عند البعض إلى درجة الاعتقاد باندراج النسخ في تعريف التخصيص لأنه يصدق عليه أنه: قصر العام على بعض أفراده.

ومن هنا اعترضوا على تعريف التخصيص بأنه غير مانع لأنه صدق على النسخ مع أنه ليس من المعرف ودخل في التخصيص مع أنه ليس منه.

غير أن هذا الاعتراض قد دفع بأن العام الذي نسخ حكمه بالنسبة لبعض أفراده لم يكن مقصورا على بعض أفراده عند الإطلاق بل أريد به جميع الأفراد ثم رفع البعض بالنسخ. أما العام الذي خصص بعض أفراده فإنه لم يرد به عند الإطلاق إلا البعض، فلا يتناول تعريفه النسخ، فيكون مانعا منه1.

وتوخي بيان العلاقة بين التخصيص والنسخ يحدونا إلى ذكر أهم ما بينه العلماء من أوجه الاختلاف بينهما. من هذه الأوجه:

ا - أن التخصيص دفع، ويقصدون به أن التخصيص بيان أن حكم العام لم يتعلق إلا ببعض أفراده حين وروده دون البعض الآخر فخرج من حكمه من وقت الورود. بخلاف النسخ فإنه رفع. ويقصدون به أن حكم العام كان متعلقا بكل الأفراد ثم بعد ذلك تغير الحكم بالنسبة لبعض أفراد العام، فرفع الحكم عنها بعد ثبوته لها.

2 - أن التخصيص يجوز فيه اقتران المخصص بالعام، بل عند من لا يجوز تأخير البيان، يجبَ اقترانه به، كما يجوز عند الجمهور أن يكون مقدما عليه.

وجواز الاقتران هذا ينبعث من طبيعة التخصيص وحقيقته وهي أنه بيان لما أريد من العام، واقتران البيان لما اكتنفه نوع من الإبهام لا يفضي إلى محظور، بل هو من سائغ الأمور، بل ربما ارتقى إلى درجة الأولوية، بل الوجوب فيما إذا حان وقت تطبيق العام.

وهذه الحقيقة نفسها جوزت تقدم المخصص على العام، إذ لا مانع من تقدم المبين على المبين ذاتاً مادام يتأخر عنه صفة وهي كونه بيانا، حيث إن البيانية لا تتأتى إلا بعد ورود العام لأنه محل لها. بخلاف النسخ حيث إنه لا يجوز فيه اقتران الناسخ بالمنسوخ، بل يشترط تراخيه عنه وبطريق أولى لا يجوز تقدمه عليه.

وعدم الجواز هذا نابع من حقيقة النسخ التي هي الرفع، إذ أن الرفع فرع الثبوت، فلا يتأتى إلا لما ثبت، فلا بد للشيء أن يثبت أولا حتى يطرأ عليه الرفع، والطروء يستلزم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015