ومَنْ تأمَّل في رسالة خزيران: يرَ أنَّ ذلك الشَّيخ جمع مزيجاً من المسائل العلمية، كان فيها حاطبَ ليل، وحشرها إلى ذهنه، ثم نشرها قلمه كما شاء عقله وهواه، ليدهشَ بها العامة، ويساعد بها من اتَّخذ دينه متجراً، وجعل ذكر الله آلة لسلب الأموال، فالأحاديث التي استدلَّ بها منها ما هو صحيح، فكان دليلاً لنا، وحجةً عليه؛ لأنه أوَّلها كما أحب، واستنتج منها ما أراد، حتى صار نموذجاً لقول الشاعر:

سارتْ مشرّقةً وسرتُ مغرِّباً ... شَتَّانَ بين مشَرِّقٍ ومُغَرِّبِ (?)

ومنها ما هو ضعيف، أو واهٍ، أو موضوع، وقد أشرنا إلى ذلك بما فيه الكفاية. هذا وقد تطرَّف الرَّجلُ في الإيهام، وترويج ما أتى به إلى حدٍّ أظهر فيه خطراً محسوساً على الدِّين من نور تعاليمنا المخالفة لنزعته ورغبته التي أراد أن يحمل الناس عليها ظلماً وعلواً، وهكذا جعل خاتمة رسالته الاستنجاد بالعلماء من أهل مصر والشام، وبرجال المجلس الإسلامي، في القدس الشريف، أملاً بأن يتمَّ له ما تمنَّاه، وأجهد نفسه للوصول إليه، وهيهات! فإنَّ العلماء علماء لا يميلون مع الهوى، ولا ينظرون إلى السِّوى، وإن الحقَّ رائدُهم، ونصرة الحق بغيتهم، ولو أنه كلما خطر لإنسان خاطر يؤيدونه فيه ويجارونه على ما يرتضيه، لما بقي للحق أثر، ولعمَّت الفوضى، وزاد الخطر، كيف والعلماء ورثة الأنبياء؟ يحيون ما أمات الجاهلون من سنن الهدى، ويكشف الله بهم عن الأمة غياهب الرَّدى، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ويا حبذا لو يحكم العلماءُ في مسألة الجنازة، وبقية المسائل التي نازع فيها الخصم العنيد؛ ليظهر الحقُّ، ويزهق الباطل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015