فكيف ينكر على فاعله؟ على أنه قد شوهد من كثير من العوام الذين يحضرون هذا الاجتماع عند ما يقول المؤذِّنون: لا أوحش الله منك يا شهر رمضان، يا شهر القرآن، يا شهر التَّراويح، يا شهر التسابيح، وأشباه ذلك، البكاء والخشوع» انتهى.
فنقول: يفهم من كلامه هذا، إن إباحة التَّوحيش على رأيه متوقِّفة على خلو أناشيد الوداع عن التَّمطيط، الخارج عن الحدِّ، ومن التَّشويش على مصلٍّ، وهذا أمر لا يمكن إثباته؛ لأنَّ كلَّ الناس يعلم أنَّ المؤذِّنين لا يقصدون بإنشاد تلك القصائد التي ينشدونها إلا إدخال الطَّرب بأصواتهم الفجَّة، على السامعين الغافلين، وأكبر دليل على ذلك: مبالغة المنشدين مبالغةً موحشةً في تمطيط أصواتهم، وبح حناجرهم، واجتماع بعضهم إلى بعض؛ ليعظم الصَّوتُ، وتغلب اللهجة على المستمعين، وأدلُّ منه: عدمُ ملاحظتهم معنى الإنشاد الذي طبقه على الأحاديث التي أوردها؛ لأنَّ جميعَ المؤذِّنين والمنشدين أُمِّيون، لا يحسنون لفظ الأناشيد، ولا ينطقون بها صحيحة المبنى، على أنهم لو أحسنوا لفظَها، فإن لغطَ أصواتهم يضيِّعُ معناها، ففعل هؤلاء المنشدين بدعةٌ منكرةٌ، تنطبق عليه فتوى ابن عبد السلام، التي استدلَّ بها خزيران؛ لأنه ليس في إنشادهم ما يحرِّك الأحوالَ السَّنيَّة المذكِّرةَ للآخرة، وإن كان مواضيع القصائد صحيحاً، على أنا نقول: إنَّ رفع الأصوات بالأناشيد في المسجد، ولو كانت على الوجه الذي ذكره من حصول الخشوع والبكاء بها ممنوع شرعاً؛ لما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «جنِّبوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم، وخصوماتِكم، وبيعَكم، وشراءكم، وسلَّ سيوفكم، ورفعَ أصواتكم، وإقامة حدودكم، وجمِّروها أيام جمعكم» (?) ،